عقلية السلام مقابل عقلية التحريض

بقلم / أنس الخربي

هناك من المجتمع من يئس وآمن بأن الحرب لن تنتهي إلا بعد سنوات على نظرية (الحرب مطولة)، البعض الآخر ما زالوا مقتنعين بأن الحرب إلى نهاية قريبة ربما من إدراكهم بأهمية السلام وضرورة وجوده الآن أكثر من أي وقت مضى على نظرية (تعبنا، يكفي حرب).

حدد موقعك بين هؤلاء وتأكد أن نتائج اختيارك ستكون مقرونة بطبيعة تفكيرك، فإما أن تكون قادرا على التفكير السليم وترى النتائج ممتازة، أو تكون ذا عقل ضحل فتتحمل تبعات هذه العقلية الضحلة.

المناداة بتأجيج الحرب أكثر وباستمراريتها ليست بطولة كما يظن البعض من مسعري النار، بل هي أشبه بالمراهقة السياسية المتأخرة التي لن يجني مراهقوها سوى الخيبة والمساءلة الاجتماعية، والمناداة بالسلام ليست بطولة أيضا، لكنها أقل عمل ذكي ومسؤول وواع يمكننا أن نعمله في الوقت الراهن.

والعملان يسيران في اتجاهين متقاطعين تماما، وهذا ما يفرق لنا بين أصحاب عقلية الحرب الضحلة وبين أصحاب عقلية السلام المسؤولة.

إنه الفرقُ الذي يجعل صوت السلام صوتا ممكنا في زمن الحرب الشعواء، والفرقُ الذي يمدنا بطاقة الأمل المفقودة ويميز بين الخبيث والطيب.. فالطيبون الذين مازالوا طيبين رغم كل هذه الظروف وهذه الحرب هم من يُعوّل عليهم لفتح الأبواب للسلام وبناء مشروع السلام الشامل.

لن يكون هناك في هذه الفترة ما هو أهم من ارتفاع الأصوات الداعية للسلام والوحدة الاجتماعية، وهي الأصوات التي تمنح نفسها الحق في مواجهة الحرب بالسلم ومواجهة التحريض اللامسبوق للكراهية ورفض الاختلاف.. وهي الأصوات السليمة التي لا تنبع إلا عن طبيعة تفكير سليمة خالية من لوثات الحرب وضوضائها، أي أن الحرب لم تفسدها بعد ولن تفسدها، بسبب الوعي التام والمطلق بأهمية السلام والإيمان بجوهره السياسي والاجتماعي والاقتصادي والثقافي والديني.

هذه الأصوات الداعية للسلام هي الأصوات المؤثرة ولا غبار على ذلك، ولأنها قديرة على التأثير وبناء ثقافة سلام مبدئية، تتم محاولات قمعها وتخويف أصحابها وإخراس حناجرهم.. ربما لأنهم ليسوا مؤثرين فحسب، بل وبإمكانهم الدفع بالسلام كعملية مفروضة فرضا على من لا يريد السلام ومن لا يطيق ذكره.

لكن كل ممنوع مرغوب.. صوت السلام لابد أن يظل عاليا تماما كصوت الموسيقى التي تعاني القمع تحت السطوة الدينية.. إنه الصوت الأبرز الآن في وقت الحرب، سواء شاء المتصارعون أم أبوا.

أما من يعتنقون صوت الحرب والتأجيج والتحريض فهم بطبيعة الحال مؤثرون نعم، لكن لأسباب اجتماعية يبقون منبوذين خلف سوادهم وركاكة أدائهم، والحفر في أرضية الحرب أكثر هو أشبه بالبحث عن فضيحة، وبالإمكان كتم هذا الصوت وجعله شيئا من الماضي لا يقال به ولا يعول عليه، بل وينال حصته من الذم والنبذ الحاضر والمستقبلي، ويبقى صوت السلام منتصرا لأنه بقي عاليا ولم يَهوِ في وحل اليأس.

اترك تعليقاً