تجارة الحرب كردة فعل للحرب

بقلم / محمد النهاري

تجارة الحرب تجارة بالإنسان وحياته وموروثه وكيانه ووجوده ورزقه، وتجارة بالدولة والطبيعة السياسية وشكل الاجتماع السياسي والاجتماع الإنساني، وتجارة بالبلد وبالأرض وبالتاريخ وبالوجود كله.

ولو لم تكن الحرب بيئة للتجارة ولانتشار هذا النوع المقيت من المتاجرة، لما آل حالنا إلى ما آل إليه، ولما سطت النماذج المتسلطة من هواة الحرب على حياتنا الاجتماعية والاقتصادية المتشعبة، ولما استطاعوا أصلاً على ذلك.. هذه القدرة نابعة من تجذيرهم للحرب ومفاهيمها في أعماق الإنسان اليمني البسيط.

إذن المشكلة لم تكن في الحرب واندلاعها فقط، بل كانت المشاكل (اللاحقة) متمثلة في (المتاجرة بهذه الحرب) وتجذر سماتها وتفاصيلها في أرضية وعرة يتقلب فيها حال الإنسان وتتكاثر مشاكله في ساحتها، المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والروحانية والأخلاقية والسياسية والثقافية.

كل المعتقدات بضرورة السلام تم العمل على تلاشيها لأن هناك الفعل (الحرب) ورد الفعل (المتاجرة بالحرب).

الإشكالية واضحة بهذا الشكل، فمن الطبيعي أن يكون (السلام) هو رد الفعل الطبيعي والمفترض لفعل (الحرب)، مهما تأخر وقوع هذا السلام وطال انتظاره، لكن ما ليس طبيعيا هو تشتيت الانتباه وصد كل محاولات أو نبوءات السلام لتجذير هذا (الفعل – الحرب) وتمكينه على أرض الواقع، ليكون واقعاً مخصباً بالحرب دون غيرها، ما يعني صد كل محاولة تُخرج الأبرياء من هذا المستنقع.

بما أن فعل الحرب لم يكن إلا محض بداية لتمكين التجارة بها وترخيص الإنسان، يجب النظر إلى تجار الحروب على أنهم هم الرخاص بلاشك، وأنهم منتهو الصلاحية بلاشك، وتوسيعُ نشاطهم وجر الأبرياء فيه ليس إلا مشكلة خطيرة ولها حلول.

الحلول جميعها تتركز في الإدراك الجمعي الشعبي بأهمية السلام للدفاع عن الحق في الحياة والدفاع عن ثمن الحياة الغالي.. ويمكن صد فعل الحرب وردة الفعل (المتاجرة بالحرب) من خلال تقويم ثقافة السلام وترسيخها كأنها منهج حياة يجب على الجميع الانجرار فيه، كبداية للخلاص من المتاجرة بالحرب ومن ثم الحرب نفسها.

أيامنا التي تجري ونحن نعد كم تبقى لنا من العمر لن تسعفنا، فنحن أمام اختبار زمني نجاريه ولا نقدر عليه لأننا لم ندرك بطريقة جامعة أن اجتيازه يتم بتجاوز ثقافة الحرب أصلا وبمواجهة تجارها العتاولة.

 (نقلا عن منظمة نسيج الإعلامية)