26 سبتمبر كرامة لم تأتِ أكلها

بقلم / محفوظ الشامي

في ستينيات القرن المنصرم 26 سبتمبر، 1962م، حقق الإنسان اليمني أبرز انتصاراته على شبح أعتى نظام رجعي عرفه تاريخ اليمن القديم والحديث. سُطرت ملامح التطلع إلى إقامة جمهورية عادلة حيثُ كانت أحلام الثوار تتقدُ وتزمجرُ ضد ملكية وشمولية وديكتاتورية أسرة تفردت بالسلطة وخلفت الكثير من المآسي وعمدت إلى تجهيل الشعب وتجويعه وإهانته ليبقى الشعب المعزول عن العالم والمقصي من كل ما له علاقة بالحضارة الحديثة ووسائل العصر المتاحة.

ينتصر الثوار وتلتهب شعلة الثورة ويبدأ العمل بتشكيل الجمهورية التي تؤطرها أهداف الثورة الستة. وحين نتحدث عن الأهداف الستة لثورة سبتمبر المجيدة، فنحن أمام مسودة وطنية عظيمة ودستور متصف بكل أشكال السيادة، لأن الثوار العظماء دققوا جيدًا في انتقاء وصياغة تلك الأهداف التي ستضمن إقامة جمهورية مُشرفة تلبي رغبات الشعب اليمني المظلوم سلفًا.

26 سبتمبر هي ثورة الحق الأولى والامتداد الدائم لكفل وصون حقوق وحريات وكرامة اليمنيين، كل اليمنيين. إذ يعني أن إرادة وقوة هذه الثورة مصدرها كل يمني. بعكس الحركات والأزمات التي حصلت منذ 2011م إلى اللّحظة، فهي بنظري مجرد افتعالات فوضوية فاقمت من أزمة البلاد ومزقت ما كان متواجدًا من مؤسسات للدولة وأسست لصراع عميق نعيش اليوم كل تبعاته الخطرة.

على مدى طيلة الفترات المنصرمة وخلال تعدد الرؤساء في النظام الجمهوري إبان تحقيق الانتصار على الملكيين تراكمت في أذهاننا كيمنيين مبادىء المواطنة المتساوية ومفاهيم العدالة الاجتماعية ولو على شكل مبدأي وتخلصنا من موروثات ماض آثم وتداعيات ظالمة تقسم المجتمع على أساس عنصري ومناطقي إلا أننا بتنا نشهد تكرر تلك الأخطاء مرة أخرى؛ وذلك لأن أطراف الصراع عمدت إلى شرخ المجتمع وتخريبه وإطالة الصراع باستهداف المجتمع واتخاذ خطاب التحريض الكراهية منهجًا للوصول إلى المبتغى، وبالفعل حققوا ما أرادوا.

مشكلتنا في اليمن إذا ما قورنا بأقطار عربية أخرى أننا نعاني من أزمة دولة وأزمة مجتمع، فدولة لبنان على سبيل المثال تعاني من أزمة دولة بينما المجتمع يتمتع بوعي كامل وانفتاح إيجابي يساهم في انطلاق عنان الدولة بشكل أو بآخر، والدليل على أزمة المجتمع الحادة في اليمن هو أنه كيف استطاعت أطراف الصراع استقطابه كلًا على حسب ميوله واعتقاده والمبني من الأساس على مفاهيم خاطئة تخدم مصالح جهات معينة لا مصلحة الوطن والإنسان، وهكذا طال الصراع بفعل وجود الأنصار هنا وهناك.

بالنسبة للمجتمع اليمني، فهو مجتمع مخدر تحت تأثير الشعارات الموروثة وقيم الدين والأخلاق المغالى بها وكذلك هيمنة وقرف القبيلة، وعلى هذا النحو تم تلقين المجتمع أن الدولة الحقيقية، دولة النظام والقانون دولة مخالفة للشريعة وللأخلاق التي شاعت في المجتمع، ولا مصلحة بهذا الشأن في التحاشي من القانون إلا للحكام الذين وجدوا المبرر والمصوغ لفسادهم وكذلك للوعاظ ورجال الدين الذين وجدوا أيضًا رزقهم السهل والوفير في المتاجرة بالدين لما يمتلكوه من مركز اجتماعي مهم ومقدس كونهم ممثلي الله.

أستطيع الجزم بأن ثورة السادس والعشرين من سبتمبر لم تأت أكلها كما ينبغي، رغم تفاني الضباط الأحرار والثوار من عامة الشعب للتخلص من الظلم والقهر بكل أشكاله ولدحر الثالوث البغيض من فقر وجهل ومرض. وأنا هنا لا أقلل من عظمة وفائدة الثورة بالنسبة للشعب اليمني لكنني أتحدث عن مأساة تعطيلها وتمييعها حين تولت زمام نشوء الجمهورية مكونات إسلامية سياسية لم تترك للاستقرار مجالًا، وكذلك وجود القبيلة بشكل مباشر داخل هيئات ومكونات الدولة.

أنظروا إلى واقع الحال المُسف الذي وصلنا إليه اليوم، بالمناسبة هو حاصل طبيعي لما تضمنته أخطاء الماضي، فالثورة المضادة التي أتت تحاول إعادة اليمن إلى ما قبل 26 سبتمبر نتاج مبرر له وغير مفاجئ وذلك لأن التسيب الكبير بحماية الثورة ومكاسبها أدى إلى هشاشة أهدافها والتي لم تطبق البتة. تنازع بين أطراف عديمة الضمير يكشف لنا حجم الوباء الإيدلوجي الذي خلفته فئات الإسلام السياسي التي تدعي تمثيل الله والحكم باسمه سواًء جماعة أنصار الله أو فرع الإخوان المسلمين(الإصلاح) أو الوهابيين المتطرفين.

عذرًا يا علي عبدالمغني، عذرًا أيها الزبيري، فقد ماتت الكرامة معكم وأغتيلت معالم الجمهورية حين تلاشيتم.

لكننا ما زلنا نأمل بأن خياركم الثوري الأول هو طريقنا للمضي إلى الأمام وللولوج نحو تحقيق الجمهورية المنشودة والفاضلة.

ما زالت لدينا فرصة سانحة لاستعادة الجمهورية من براثين التخلف ومتاهات الصراعات التي لا تنتهي، حين ينتهي الاقتتال وتبدأ الجدية في الحديث عن إيجاد الحلول للخروج من الأزمة والخوض في شكل الدولة الجديد، يجب خلق الوعي لدى الشعب بمطالبة تحقيق الدولة المدنية العلمانية التي ستُحيد كل من يعيق وجود النظام والقانون، وستردع من يمثلون الله أيًا كانوا ليعلموا أن الله رب الجميع والدين والقبيلة حق شخصي، بينما الدولة للجميع والقانون سيد الكل.

 (نقلا عن منظمة نسيج الإعلامية)