الخطاب الطائفي وأثره المدمر على النسيج الاجتماعي

بقلم / محفوظ الشامي

لا شك أن أكثر ما عقد الحرب اليمنية ومد نفوذها لتطال كل أراضي الجمهورية هو الخطاب الذي يغذي الطائفية بوصفها أخطر أنواع الدعاية للتحشيد الحربي ومواجهة الطرف الآخر، ذلك أن الحرب تتخذ أبعادًا مقدسة تعزز من قناعات الأفراد لخوضها، فالعزف العاطفي على وتر استدعاء الطائفة والعرق والأفضلية المزعومة إلهيًا أمر أفضى إلى ترسيخ قناعات لخوض الحرب دون التوقف حتى الانتصار أو الهلاك، مما قلل من فرص السلام وأبعد فكرة التقارب الذي يدعم عملية الصلح ولو على مراحل متعددة.

نشب الخلاف واختصم فرقاء السياسة على السلطة وتوزيع مناصبها بين الأحزاب والأطراف والتشكيلات القبلية والدينية فتوسعت هوة الصراع من مماحكات سلمية تؤطرها اتفاقيات ومعاهدات إلى انطلاق شرارة الشر الأولى من الحرب ومعها تزايدت النيران والتهمت كل شيء، وكعادتها الحرب يعد الاتساع المهول من أكثر خصائصها، إذ من الصعوبة إيقافها وهي في أوج هيجانها، فعربدت مكتسحة شمال الوطن وجنوبه، شرقه وغربه. لكنها تظل حربًا فرضت بالواقع السياسي المحتدم على تقاسم السلطة، لا حربًا عقائدية كما آلت إليه مؤخرًا.

لقد أدرك الخصوم إن الحرب التي يشنونها على اليمن، ثورة، ووحدة، وجمهورية، ستنتهي بفترة قصيرة؛ لأن جوهر خلافها على السلطة والقرار السياسي؛ ولأن الاتفاقيات والمعاهدات ستقارب من وجهات النظر سرعان ما يعود السلام، وهذا الأمر لا يخدم مصالحهم وأطماعهم؛ فرغبتهم تتمثل في إطالة أمد الحرب كي يحصل كل طرف منهم على هدفه ويحقق ما يرنو إليه، فلجأوا إلى جعلها حربًا عقائدية ضارية.

لقد كرست وسائل الإعلام جهودها وتركيزها لإبعاد الحرب عن سبب قيامها الرئيسي وتمييع الحرب والصراع من سياسي إلى عقائدي.

كارثوية على الأمد البعيد هي الحرب العقائدية وتترتب عليها نتائج مأساوية جمة لو قورنت بالحرب السياسية على صراع السلطة، فالأولى تؤسس لصراع قائم للأجيال القادمة؛ لأنها تستهدف بنيوية المجتمع وتعبث بمبادئه الإنسانية وتقلل من ثقافة قبول الآخر المختلف، فينظر كل واحد إلى الآخر أنه المخطأ وهو صاحب الحق الإلهي المزعوم بدافع القداسة ومشروعية عقائدية الحرب التي تهدر دم الآخر والتي يبررها ممولي الحرب، أما الثانية فحرب وقتية تنشب إثر خلاف على السلطة وسرعان ما يعود المتصارعون إلى طاولة الحوار ليحلوا الخلاف ويعود السلام.

إن أكثر العقبات التي تواجه اليوم مشروع السلام هي عقبات الشحن العنصري التي استطاعت بها المشاريع الخارجية التأثير على بنيوية المجتمع وتماسكه من خلال زرع أجندة تنفذ هذه المخططات حيث تعتبر أبرز ممارسة عنصرية هي ما تلقاها أبناء الشمال في مدينة عدن. وفي الشمال كذلك تطفو على المشهد الاعتبارات والامتيازات المناطقية التي تقسم أبناء البلد الواحد إلى طبقات حسب القبيلة والمنطقة وكل هذه الأدوار التخريبية تعيق السلام وتفاقم من تدهور النسيج.

(نقلا عن منظمة نسيج الإعلامية)