“فتوى المحفظة” تثير جدلا في تركيا.. “يحق للمرأة سرقة زوجها”

الفتوى التي سماها الناشطون الأتراك على وسائل التواصل الاجتماعي استهزاء بـ”فتوى المحفظة“، من المتوقع أن تثير موجة من المداولات الحقوقية والتشريعية والاجتماعية، وحتى السياسية، لأن المؤسسة المذكورة ذات تأثير على طبقات واسعة من المجتمع التركي، بالذات من الطبقات الأقل تعليما والأكثر محافظة.

الفتوى الغريبة التي أصدرتها المؤسسة الدينية الرسمية الوحيدة في البلاد، جاءت في ظل متغيرين ضاغطين يؤثران على تفاصيل الحياة الاجتماعية اليومية للمواطنين الأتراك.

فالتضخم الاقتصادي صار يصيب كل سلة مشتريات العائلة التركية، خصوصا بعد إعلان الشركة الوطنية التركية للغاز والكهرباء “يوتاش”، رفع قيمة الكهرباء والغاز المنزلي بقرابة 20 بالمائة، مما ينذر بمزيد من التعكير على العلاقات الزوجية.

وتأتي الفتوى المذكورة بعد 3 أيام فقط من الخروج التام لتركيا من “معاهدة إسطنبول لمكافحة العنف ضد المرأة والعنف المنزلي“، وهو قرار لاقى رفضا واسعا من المنظمات الحقوقية والنسوية التركية، باعتباره صدر بإرادة خاصة من الرئيس رجب طيب أردوغان، وليس لمصلحة المجتمع التركي.

فالمعاهدة كانت تضع مجموعة من المعايير والقوانين التي تحمي الحقوق المدنية للمرأة في الحياة الزوجية، كذلك تمنع العنف المنزلي والتجاوزات المماثلة، بما يشمل الاغتصاب أو ختان النساء والتنمر. كما كانت واحدة من المعايير الكلية التي يتخذها الاتحاد الأوربي كأداة للالتزام بـ”معايير كوبنهاغن” للانضمام للاتحاد الأوربي.

وفي التفاصيل، ردت رئاسة الشؤون الدينية على سؤال مطروح في مجلتها الشهرية يقول: “هل يحق للمرأة أن تأخذ مال زوجها دون موافقته لتلبية حاجاتها الشخصية؟”، ليأتي الرد: “يمكن للمرأة أن تأخذ نقودا من جيب زوجها الذي لا يمنحها ما يكفي من المال، دون أن يعلم بذلك”.

وأضافت: “الدين الإسلامي يفرض بعض الواجبات والمسؤوليات على الزوج. ومن هذه الأمور واجبه في تلبية الحاجات الأساسية لزوجته بطريقة معقولة وعادية. وسواء كانت المرأة غنية أو فقيرة، مسلمة أو غير مسلمة فإن ذلك لا يغير النتيجة“.

الفتوى الصادرة لم تستند إلى أية نصوص دينية مُحكمة، ولا حتى إلى فتاوى وأحداث سابقة في التاريخ الإسلامي، بل فقط لبعض الروايات التاريخية الضعيفة.

الناشطة المدنية التركية دنيا سونجكول شرحت في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” الأبعاد “المؤذية” التي يمكن لمثل هذه الفتوى أن تمس بها أسس “الأسرة الصحية” في تركيا، التي تعتمد على مبادئ المساواة والمشاركة والتكاتف بين الزوجين.

وتقول: “الفتوى تكرس آلية السرقة داخل الحياة الزوجية كفعل شرعي ومباح، وهذا حتى حسب المعايير الشرعية مخالف لجوهر الدين الإسلامي، الذي ينهى تماما عن أي شكل من السرقة”.

وتعتبر أن البعد المؤذي الآخر لهذه الفتوى، يتعلق بـ”الشكل التصارعي” الذي ترسمه للحياة الزوجية، فتفترض بأن الزوجة “تستطيع ويجب أن تنتقم من أي شيء يمس حقوقها، مما يعني أن الحقوق والواجبات في الحياة الزوجية غير مبنية على الود المتبادل والأعراف الإنسانية“.

الناشطون المدنيون والسياسيون الأتراك وجهوا خلال الساعات الماضية سيلا من الانتقادات للمؤسسة الدينية في البلاد، معتبرين أنها صارت تابعة للسلطة والحزب الحاكم، ومخالفة لنص المادة الدستورية التركية التي تأسست حسبها، والتي تقر بأن الهيئة الإسلامية “تدير شؤون العبادات والأوقاف في البلاد بما يتماشى مع العلمانية”، مما يعني عدم ارتباط المؤسسة بأي حزب سياسي.

وكانت السنوات الماضية قد شهدت مزيدا من النقمة الشعبية تجاه المؤسسة الدينية التركية الرسمية الوحيدة، وذلك لسطوتها ودورها وامتيازاتها الخاصة.

إذ تقول الإحصاءات الرسمية بأن ميزانيتها السنوية تقدر بحوالي مليار دولار سنوي. لكن إحصاءات أكثر دقة تقول بأن الميزانية الحقيقة وغير المرصودة والمُستتر عليها من قبل القادة الإداريين للمؤسسة، ترتفع لأن تكون ضعف هذا المبلغ، تأتي من احتكارها للكثير من المواقع الوقفية وإدارة زيارات الحج والعمرة، بالإضافة إلى ما تتلقاه من معونات ومساعدات من القوى الاقتصادية والمجتمعية.

كذلك فإن هذه المؤسسات التي تصدر دوما فتاوى شرعية حسب رغبات وأزمات السلطة الحاكمة، تسيطر على عدد من المؤسسات الاقتصادية، مثل “تركيا ديانت فاكفي” التي تشمل نحو ألف متجر في أنحاء البلاد، معفية من دفع الضرائب، مما يجعلها ذات تنافسية عالية مع باقي شبكات المتاجر.

كما تملك مؤسسات للبناء، تحتكر بعض قطاعات إنشاء المدارس والمساجد والمستشفيات والفنادق، وبالتالي فإنها شريك اقتصادي وسياسي وحقوقي في السلطة الحاكمة.