لأول مرة.. إيزيدية تفضح إرهاب داعش بالشعر

وعلى مدار 7 سنوات نجحت الفتاة الإيزيدية البالغة من العمر 24 سنة في مقاومة الخوف الذي تسلل إلى حياتها بعد فقدان والدها وتدمير مدينتها على يد داعش، حين لجأت إلى الشعر كوسيلة لتوثيق معاناة أهالي المدينة، لتصبح أول شاعرة تصدر ديوانا شعريا باللغة الإيزيدية.

وسقطت سنجار تحت سيطرة داعش في أغسطس 2014، حيث ارتكب جرائم وصفتها منظمات دولية بـ “الإبادة الجماعية” في حق أهالي المدينة ذات الأغلبية الإيزيدية.

وتسبب داعش في نزوح أكثر من 350 ألف شخص لمخيمات شمالي العراق، عاد منهم نحو 100 ألف نازح لديارهم وسط نقص شديد للخدمات الأساسية، ولا يزال نحو 2800 سيدة وطفل في عداد المفقودين، كما اختطف التنظيم أكثر من 6500 فتاة وطفل كـ”سبايا حرب”.

وفي 15 يوليو الجاري، أصدر البرلمان البلجيكي قرارا يصف ما تعرض له الإيزيديون على يد داعش بـ”الإبادة الجماعية”، سعيا لحث حكومة بلجيكا على مطالبة مجلس الأمن الدولي بإحالة مرتكبي الإبادة إلى محكمة دولية.

وأعلن فريق التحقيق الأممي عن جرائم داعش، في مايو الماضي، تورط 1444 عنصر من داعش، من بينهم 469 عنصرا تم تحديد أماكنهم، ارتكبوا جرائم في سنجار، مثل تخيير السكان بين الموت وتغيير الديانة والقتل، والاستعباد والانتهاكات الجنسية بحق النساء.

وفي ذكرى سقوط سنجار في يد داعش، تواصل موقع “سكاي نيوز عربية” مع الشاعرة ليلى سرحان التي تعرض تجربتها في تسجيل معاناة سنجار بكتابة الأشعار الإيزيدية.

الأوجاع دافع

وتتذكر ليلى المشاهد الأولى لسقوط سنجار على يد داعش فتقول: “قتل داعش أحلامنا كما قتل الكبار والصغار بممارساته الإجرامية، وبسقوط والدي على يد الإرهابيين خسرت مصدر الأمان في الحياة وفرصتي في استكمال الدراسة”.

وأضافت: “فقدت القدرة على فعل أي شيء، ويوما بعد يوما يزيد الألم والقلق خوفا من فقد أرضنا للأبد وإجبارنا على تغيير هويتنا، خاصة بعد اختطاف داعش للإيزيديات وبيعهن في الأسواق“.

ودفعتها تلك الأوجاع إلى الكتابة وأصبحت مصدر الإلهام لتسجيل يومياتها المليئة بالرعب، حيث توضح ذلك قائلة: “حاولت مقاومة معاناتي ومعاناة أهالي سنجار اليومية بكتابة الشعر ليصبح القلم سندا جديدا لي في الحياة”.

وبعنوان “قطرات الألم” ألّفت ليلى أول ديوان باللغة الإيزيدية كأول شاعرة تكتب بهذه اللغة لتجسيد الدمار الذي لحق بمدينة سنجار، مؤكدة على أن الكتابة غير كافية للتعبير عن ممارسات داعش ضد المدينة.

رحلة مليئة بالآلام

وكانت ليلى وعائلتها أمام خيارين كلاهما مر، فإما البقاء في وسط المخاطر أو الرحيل عن ديارهم.

ورغم تعلقها الشديد بالمنزل والمدينة، إلا أن النزوح كان القرار الذي اتخذته ليلى في نهاية عام 2014.

وتسرد ليلى بصوت يملؤه الحزن ذكرياتها مع رحلة النزوح وتقول: “فضلت الرحيل عن وطني لصعوبة الوضع، فإذا نجوت من الموت أصبح مصيري البيع في سوق السبايا والإجبار على تغيير معتقداتي الدينية، فقررت الهجرة إلى منطقة عين سفني (شيخان) شمالا لمدة 4 سنوات فقط، ولم أستطع البقاء مدة أطول بعيدة عن مدينتي”.

ولم تقل معاناة رحلة النزوح قسوة عما عاشته الشاعرة الإيزيدية على أيدي داعش، وتصف ليلى تلك الفترة بـ “الرحلة المليئة بالآلام”، نظرا لصعوبة ظروف المعيشة واختلاط مشاعر الخوف من مصير مجهول والانتظار للعودة مرة أخرى.

 

 

 

توثيق يومي

ومن تلقاء نفسها، حملت ليلى صاحبة الـ 24 عاما على عاتقها مهمة توثيق كل ما شهدته سنجار من دمار منذ 2014 وحتى اليوم، وتصف ذلك بالقول: “الشعر رسالتي لتدوين كافة الجرائم التي تعرضنا لها ومشاهد الدمار التي لحقت بالمباني والمنازل، حتى تصبح مرجعا للأجيال القادمة، لمعرفة بسالة الشعب الإيزيدي أمام الإبادة الجماعية التي نفذها عناصر داعش ضده”.

ونجحت ليلى في تأليف عشرات القصائد والأشعار الغنائية قدمها فنانون عراقيون، لتصر الشاعرة الإيزيدية على استمرار كتابتها في الشعر من سنجار وإيصال صوت الإيزيديين إلى العالم.

 

حلم لم يكتمل

في نوفمبر 2015 تمكن مقاتلون من حزب العمال الكردستاني من استعادة سنجار من أيدي عناصر داعش بعد معارك متتالية.

ورغم تحقق أمنيتها في الرجوع لديارها مرة أخرى في عام 2017، إلا أن الشعور بالحسرة تغلب على مشاعر فرحة العودة، وتصمت ليلى قليلا حتى تقول: “شاهدت في مدينتي مقبرة جماعية تضم أشلاء من قُتلوا على يد داعش وحطاما لمنازل ومفخخات متناثرة بين ركام المباني”.

وبعد مرور 6 أعوام على التحرير، تظل آثار الحرب منتشرة في أنحاء المدينة من سوء الخدمات وتهدم المباني دون إعادة إعمار، وتباطؤ في العثور على المقابر الجماعية والكشف عن أسماء الضحايا المدفونين في 5 مقابر جماعية نظرا للخلافات بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل ومقاتلين تابعين لحزب العمال الكردستاني يرفضون عودة القوات الحكومية.

وفي مايو الماضي دخل حيز التنفيذ اتفاق وقعته بغداد وأربيل لتطبيع الأوضاع في سنجار يسرّع من عودة النازحين، ويمهد الطريق أمام إعادة الإعمار.

ويمثل الوضع الراهن لسنجار تحديا صعبا أمام ليلى التي تجد صعوبة في إيجاد أفكار جديدة للقصائد، وتفسر ذلك بقولها: “لا أجد صعوبة في الكتابة، الصعوبة في الأفكار فالشعر نستوحيه من الواقع الذي نعيشه، وللأسف لم يتغير واقع سنجار منذ سقوطها في يد داعش”.

أمل في الغد

ولم تمتلك ليلى حتى اليوم القدرة على كتابة قصيدة رثاء في أبيها، حيث تشير لذلك قائلة: “ما تركه رحيل أبي في نفسي كان أكبر من استجماع شجاعتي لكتابة أبيات شعر عنه، ولم أعثر على مقبرته حتى الآن، لذا لم أتجاوز ما فعله داعش في أسرتنا”.

وتختتم ليلى حديثها وتقول: “أسير على نهج أجدادي الذين وثقوا معاناة الإيزيديين في الماضي بالموسيقى والغناء الفلكلوري، واليوم أوثق من خلال الشعر رحلتنا في المقاومة والصمود”.