“القونات”.. ظاهرة غنائية تجتاح الساحة السودانية

الطفل علام لم يكن نشازا  بحبه الهستيري لما يعرف عنه الآن اصطلاحا  بغناء ” القونات“، فيشترك مع علام  آلاف الشباب والمراهقين والأطفال في حبهم لهذا الغناء الذي انتشر مؤخرا في حفلات “الحناء “للعرسان والعروسات وفي بعض حفلات الزواج ، ويختلف غناء “القونات” عن غناء “البنات” الذي كانت تتغني به الفتيات السودانيات في جلساتهن الخاصة ” – في كونه لا يعرف له شاعر بعينه –   وكونهن يعبرن عبره عن تطلعاتهن وآمالهن وخيباتهن  في الحياة ، ولكن غناء ” القونات” اشترك مع سابقه كونه مجهول النسب أيضا فغالبا ما تؤلفه الفنانة بنفسها،  لذا نجده أتى بلغة ركيكة نسبيا أشبه بلغة قاع المجتمع وربما جاءت لغته كنتاج للبيئة.

إذ أن أغلب “القونات” من الفئة غير المتعلمة أو ذات التعليم المحدود والتي يعتمد في غنائها على الشكل الجاذب والرقص الفاضح الذي تكمل به وصلات الغناء.

قالت الشابة ناهد محمود (28 عاما) في حديثها لـ”سكاي نيوز عربية” إنها لم تستهوها يوما أغنيات “القونات” بخلاف فتيات عائلتها وصديقاتها، مضيفة بأنها غالبا ما تفضل عليها الأغنيات الرصينة ذات المعاني الدافقة والموسيقى الرقراقة.

وأكدت أن هذه الصفات وجدتها في “أغاني الحقيبة “- التي كانت تُغنى في مطلع القرن الماضي ثم رددها كبار الفنانين بعدذلك، مضيفة أن صديقاتها  أكدن لها بأن “أغاني الحقيبة ” لا تناسب جيلهن.

 

وتضيف ناهد أن فتيات عائلتها أصررن عليها يوما بأن تذهب معهن لحفلة “الزنق ” التي ستأتي فيها “قونة “شهيرة، وأكدن عليها بأنها ستغير نظرتها تلك تجاه حفلات “الزنق” و”القونات “مستقبلا، إلا أنها – والحديث لناهد- فمنذ أن سمعت موسيقى الأغنية الأولى في ذلك الحفل النسائي المزدحم بالفتيات –دون الثلاثين – ورأت الفتيات يصرخن صرخة واحدة ويقفزن  للأعلى وإذا بها تسمع صوتا قويا يقول كلمة واحدة فقط “قنبلة !” فإنها ولت هاربة خوفا من أن تنفجر القنبلة في وجهها.

 

وأضافت ناهد أن تصرفها ذلك وجد ضحكا هستيريا من مجموع الفتيات الموجودات بالحفل، إذ عرفت بعدذلك بأن كلمة “قنبلة ” ماهي إلا مفتتح لأغنية شهيرة من الأغاني التي ترددها “القونات “في مفتتح حفلاتهن في تلك الفترة.

وعلى عكس الشابة ناهد فقد دافعت الشابة دانية أحمد(18عاما) عن أغنيات “الزنق ” التي تغنيها “القونات”، وقالت في حديثها لـ “سكاي نيوز عربية” إنها تحتفظ بمجموعة كبيرة من أغانيهن في ذاكرة هاتفها الذكي، مضيفة بأن هذه الأغنيات تجعل الشخص منتشيا وتنسيه همومه، كما تعبر عن روح الشباب بتمردها على القديم وبحثها الدائم عن الانطلاق.

ونفت دانية أن تكون –هذه الأغنيات – ذات قضايا انصرافيه، مضيفة بأنها جاءت متماهية مع ما تريده الفتيات، فمثلا عند عزوف الشباب عن الزواج بسبب تردي الظروف الاقتصادية بالسودان بحثت الفتاة عن الرجل المقتدر ماديا  المتزوج بأخرى واقتلعته من زوجته “عنوة واقتدارا ” وعندما قابلتها المتزوجات بنظرة استنكارية جاءت أغنية “القونة” مدافعة بلسان تلك الفتاة قائلة “أنا ما شلبتو ..أنا بس عجبتو!”.

القونة “انتصار عطبرة ” قالت ” لسكاي نيوز عربية” إن أغانيها غالبا ما يؤلفها لها بدو من قبائل الشكرية  والكواهلة وغيرهم، كما أن لها غناء كثيرا ألفته بنفسها نتيجة لمواقف معينة فمثلا كانت قد ردت ذات مرة على الفنانة عائشة الجبل عندما انتقدت زميلاتها إثر لقاء تلفزيوني لها بإحدى القنوات المحلية، فردت عليها “مالك يا الجالخة ..مالك يا السالخة ..يا الغيرتي لونك .. وعاملة فيها شخصية.. وانتٍ زولة وهمية!”.

وأضافت انتصار بأن بعض القونات أخذن مواقع متقدمة بالابتذال والشلليات والرقص الفاضح..

الصحفية والناقدة الفنية آيات مبارك قالت في حديثها لـ”سكاي نيوز عربية ” إن غناء “القونات” تأخر كثيرا في المرتبة عن “غناء البنات ” -الذي كانت تشترك فيه الفتيات في النظم في فترة ما – ولكن غناء “القونات ” نتج عن واقعهن المتأزم  وجاء بأدوات ضعيفة نسبيا نسبة للبيئة التي عاشت فيها أولئك “القونات”.

وأضافت أن “القونات “قد يعبرن عن قضايا انصرافيه ولكنها تجد لها من يساندهن من الجمهور الشاب، وهذا هو السبب الذي جعل الفنان عصام محمد نور يعتذر عن الغناء مع الفنانة عشة الجبل، مضيفة بأن هناك كثير من “القونات” لجأن للغة الوعيد والتهديد في الغناء لافتة لعبارة “كلبة ميتة! ” التي جاءت متضمنة كلمات أغنية إحدى “القونات” ، كما أن هناك تعريضا و”مغارز “تمارس من فترة لأخرى بين أي”قونة” وأخرى مضيفة بأن ذلك كله مرده الغيرة والحسد فيما بينهن