عبد الرزاق غرنة.. قصة روائي من أصول يمنية حصد “نوبل للآداب”

وقضى غرنة طفولته في ربوع جزر زنجيبار، وعاش منفياً ومهاجراً في المملكة المُتحدة طوال النصف الثاني من عُمره، كما صرح في حوار مطول ونادر أجراه خلال العام 2008.

ويقول عبد الرزاق إن تجربة الطفولة والعائلة تتسرب إلى أعماق الوعي، وتغدو بالتقادم الأداة الأكثر فاعلية في إنتاج الأدب، وهو ما فعله غرنة في أدبه، كشخص عانى وعايش مختلف تجارب الهجرة والاقتلاع من موطنه الأصلي في جزيرة زنجيبار المُتنازع عليها، ليغدو لاجئاً سياسياً يجتر ذاكرته وآلامها.

مفاجأة حصول غرنة على جائزة نوبل للآداب لهذا العام تتعلق بعودة الاهتمام بالأدبين العربي والأفريقي بالنسبة لمنظمي الجائزة، فهذه هي المرة الأولى التي يحصل فيها كاتب عربي/أفريقي على الجائزة منذ العام 1988، بعدما نالها الأديب المصري نجيب محفوظ الجائزة في ذلك العام.

الكاتب والناقد شادي الصالح شرح في حديث مع “سكاي نيوز عربية” آلية الاهتمام العالمي بالمنتجات الأدبية العربية، والتي تُعتبر جائزة نوبل واحدة من أكبر توجهاتها: “ثمة مساحة مُشتركة كبيرة بين أدبي نجيب محفوظ وعبد الرزاق غرنة، تتعلق بسرد الحكايات والمناخات واشكال الحياة في البيئات الأكثر محلية في منطقتنا، وإظهار أشكال الجمال وقيم العيش ونوازع الحكمة داخلها، إلى جانب التعبير عن المعاناة الأكثر خصوصية لأفرادها، المتمثلة بتحطم أشكال الحياة بسبب الأحداث السياسية وسوء الاستقرار وأشكال الهيمنة المادية والرمزية عليها وعلى سكانها المحليين هؤلاء من قِبل المراكز العالمية”.

يتابع الصالح حديثه قائلاً: “في أحيان كثيرة، فإن إهمال تلك الأعمال من قِبل المؤسسات العالمية إنما هي محاولة لنفي أشكال العلاقة تلك بين المراكز العالمية والمناطق الطرفية من العالم، وهو أمر ينطبق على مختلف الحاصلين على الجائزة من غير الأوربيين والأميركيين”.

العديد من روايات غرنة، مثل “ذاكرة الرحيل” و”دوتي” و”طريق الحاج” و”صمت مُدهش”، وبعدها روايته الأكثر شهرة “عبر البحر”، التي تُرجمت إلى عشرات اللغات ولاقت رواجاً استثنائياً، بعد نيلها لجائزة البوكر العالمية، تعرض وتفكك شخوص وثقافة وصراعات المُثلث الحضاري في منطقة بحر العرب، اليمن وسلطنة عُمان وتنزانيا، المحيطة بجزر زنجيبار. 

هذا واتصلت “سكاي نيوز عربية” بالروائي غرنة وهنأته بمناسبة حصوله على جائزة نوبل، لكن الروائي اعتذر عن التعليق على أي تفصيل يتعلق بأعماله أو سيرته الذاتية والأدبية، قبل أن تتضح له المرحلة التالية لنيله لجائزة نوبل.

وكانت التوقعات طوال السنوات العشر الأخيرة تذهب للتكهن بأن الأدب العربي سيعود لنيل جائزة أخرى في الآداب، بعد مرور أكثر من ثُلث قرن على آخر جائزة نالها أديب عربي عام 1988. لكن نيل الروائي التُركي أورهان باموك للجائزة خلال العام 2006، ومن ثُم نيل القاص والروائي الصيني “مو يان” للجائزة خلال العام 2012، أثبت أن مُعدلات منح الجائزة لمنطقتي آسيا وأفريقيا هو بمُعدل جائزة كُل سبعة سنوات، وتالياً فإن حظوظ الأدب العربي لا تتجاوز الجائزة الواحدة كُل ثلث قرن.

الناشر زمان بهاء الدين شرح لـ”سكاي نيوز عربية” أهمية وأدوار المؤسسات العربية في ترجمة وتوسيع رقعة الاهتمام بالأدب العربي، وتالياً خلق التفاتة عالمية للمنتج العربي، وقال: “يشكل أدب عبد الرزاق مناسبة واضحة للتفكير بأهمية نشر الآداب المحلية باللغات والأسواق العالمية”.

وأضاف: “فغير لغة التشويق والعُمق المعرفي والإبداع السردي الكثيف الذي في كُل تفصيل من منتجات غرنة طوال ثلاثة عقود كاملة ماضية، إلا أن كُل ذلك ما كان له أن يُكرس لولا تهافت أهم الدور البريطانية على الاهتمام بمنتجه وترجمتها للغات العالمية ونشرها على أوسع مروحة عالمية. وهو ظرف يُتاح مع الأسف للقليلين جداً من الكُتاب العرب، بالرغم من وجود مؤسسات عربية رائدة في مجال الترجمة، لكن الأهم هو انخراط هذه المؤسسات في السوق العالمية بمختلف اللغات، وليس فقط الترجمة من لغات أخرى إلى العربية“.