قصار القامة في المغرب.. التصالح والاتحاد في مواجهة التمييز

يقول أيمن لـ”سكاي نيوز عربية”: “أسعى سواء عبر أسلوب الكوميديا أو بطريقة جدية من خلال قناتي على يوتيوب لتسليط الضوء على المعاناة التي يكابدها قصار القامة، ولتمرير رسائل تحمل في طياتها الكثير من المعاني والعبر إلى الآخرين”.

وبإصرار وعزيمة كبيرين يحاول أيمن وغيره من قصار القامة بالمغرب والذين يقدر عددهم بالآلاف ويعدون من فئة ذوي الهمم، إثبات ذواتهم وتجاوز الصور النمطية التي تلاحقهم.  

ويشكل التواصل والتوعية عبر المواقع الاجتماعية، واحدة من النوافذ التي يطل عبرها قصار القامة على المجتمع من أجل التحسيس بمشاكلهم والتعبير عن كل ما يخالجهم من مشاعر وأحاسيس.

رسائل عبر مواقع التواصل

يعتبر أيمن اليوم واحدا من الشخصيات الأكثر شهرة ضمن فئة قصار القامة في المغرب، ويعود الفضل في ذلك إلى المتابعة الواسعة التي يحظى بها على مواقع التواصل الإجتماعي، والتي يحاول استثمرها بين الفينة والأخرى في إيصال رسائل، والتعبير عن انشغالات هذه الفئة داخل المجتمع المغربي.

يقول أيمن: “لم أكن أتوقع أن أحظى بهذا القدر من المتابعة، ولا أنكر حجم المسؤولية التي ألقاها ذلك على عاتقي”.

ويضيف:”لقد منحتني وسائل التواصل الاجتماعي فرصة لإيصال صوت هذه الفئة، ومحاولة تغيير بعض الصور الخاطئة عن قصار القامة”.  

وتابع: “قد يبدو تصوير ومشاركة الحياة اليومية شيئا عاديا بالنسبة للكثيرين، لكنني أحاول من خلال ذلك نقل المتابعين إلى عالم الشخص القصير القامة، لأظهر كيف يمكنه أن يتعايش داخل المجتمع بشكل طبيعي”.

ويؤكد الشاب أن مشاركة هذا النوع من المحتوى مع متابعيه الذين يعدون بمئات الآلاف، تشكل بالنسبة له ولرفاقه من قصار القامة الشيء الكثير، لأنها تحمل في طياتها العديد من المعاني العميقة.

التصالح مع الذات

أما الشابة نادية فنون، فلم تكن وهي صغيرة السن تفهم لماذا كانت محط أنظار الناس، ولماذا تتابعها أعين المارة دائما باستغراب، أسئلة ظلت تطرحها الفتاة الصغيرة إلى أن تكفلت الأيام بالإجابة عنها، لتستوعب وتكتشف مع مرور الوقت اختلاف شكلها وقامتها عن باقي أقرانها.

تعود نادية بذاكرتها للوراء لتحكي لـ”سكاي نيوز عربية” كيف عانت لسنوات من أجل تقبل واقعها والتصالح مع الذات أولا قبل المجتمع، وكيف ساعدها انحدارها من عائلة تضم ثلاث شقيقات قصيرات القامة، على فهم وضعها والتعايش معه بشكل أسرع.

تقول الشابة: “عانيت من التنمر والألم النفسي لسنوات، لكن المعاناة تحولت مع مرور الوقت إلى طاقة ساعدتني على اجتياز الصعاب والعقبات، لأشرع في تقديم الدعم لمن يعانون نفس الحالة”.

وتشير نادية إلى أن انخراطها في الأنشطة الثقافية والترفيهية داخل إحدى الدور الخاصة بذلك، جعلها محبوبة بين الكبار والصغار وسط الحي الذي تقطن به.

الدعم والمواجهة

وقبل حوالي 5 سنوات، قررت نادية إنشاء جمعية تهتم بأصحاب القامة القصيرة في المغرب، وكان هدفها إخراجهم من العزلة التي يعانون منها، والقطع مع الصور النمطية التي تلاحقهم.  

تقول نادية: “كنا نتواصل عبر مواقع التواصل الاجتماعي لسنوات قبل أن نقرر الخروج من العالم الافتراضي إلى الواقع، لتأسيس جمعية تلم شمل قصار القامة في المغرب”.   

وقد مكن العمل المدني الشابة من لقاء عدد كبير من قصار القامة، والتعرف على قصص مختلفة من مناطق متفرقة بالمغرب، والعمل على تقديم الدعم المعنوي لمن يعانون ذات وضعها من أجل تجاوز الانكسار وبلوغ القدرة على التعايش داخل المجتمع.

وتشير نادية إلى أن العديد من قصار القامة يعانون من التنمر والإقصاء الذي قد يأتي أحيانا من الوسط العائلي، حيث قد تستعر بعض العائلات من أبنائها قصار القامة، فتعمد حبسهم في البيت وتمنع عنهم التواصل مع العالم الخارجي.  

وترى الشابة أن للوسط الاجتماعي دورا كبيرا في التأثير الإيجابي على حياة الشخص القصير القامة، حيث قد يؤدي إقصاؤه إلى دخوله في عزلة عن الآخرين، ويجعله يعيش معاناة نفسية قاسية لا نهاية لها.

أسود قصار القامة

يعتبر الانخراط في العمل المدني والمشاركة في الأنشطة الثقافية والرياضية بالنسبة للعديد من أصحاب القامة القصيرة وسيلة ينشدون من خلالها إثبات الذات، كما هو الشأن بالنسبة لنزار بنقابة الذي أساس رفقة بعض من أصدقائه، المنتخب المغربي لقصار القامة.

وانبثقت فكرة إنشاء الفريق لدى نزار، عندما اكتشف صدفة الفريق الأرجنتيني لقصار القامة، لينطلق بعدها في عملية البحث رفقة مؤسسين آخرين عن تشكيلة للفريق، قادته لاكتشاف مواهب كروية في مناطق مختلفة من المغرب.

تشكل الفريق بداية من 14 لاعبا قبل أن يتعزز بعناصر أخرى، يجمعهم عشق كرة القدم، وتوحدهم قضيتهم، ومصيرهم المشترك.

وقد استطاعت المجموعة ومنذ أول مباراة لها سنة 2017 أن تخطف الأضواء، وتفرض نفسها كفريق قوي، قبل أن توجه لها الدعوة كضيف شرف في بطولة كوبا أميركا لقصار القامة التي نظمت في الأرجنتين سنة 2018.  

ويتطلع الفريق لتنظم دوريات خاصة بالفرق المحلية، في أفق إطلاق دوري وطني قادر على الرفع من المستوى الفردي والجماعي للاعبي كرة القدم قصار القامة، استعدادا للتنافس على كؤوس عالمية.

نحو مستقبل أفضل

ولم يكن تأسيس فريق كرة القدم بالنسبة لنزار ورفاقة مجرد نشاط رياضي، بل تعداه ليشكل وسيلة لإثبات الوجود، وللخروج من العزلة والاندماج وسط المجتمع.

يقول نزار، وهو أيضا رئيس الجمعية المغربية لقصار القامة: “ما يجمعنا داخل الفريق يتجاوز حدود النشاط الكروي، فهو وسيلة لإيصال صوتنا وإتباث قدرات قصار القامة على العطاء في مختلف المجالات”.

يبرز نزار لـ”سكاي نيوز عربية” بأن “التمييز المهني يبقى من أبرز المشاكل التي تؤرق بال قصار القامة وتؤثر بشكل كبير على حياتهم، حيث بات نشاطهم شبه محصور في الكوميديا والأنشطة الترفيهية، ويجدون صعوبات في الحصول على وظائف تناسب مستواهم التعليمي والشواهد التي تحصلوا عليها”.

وبالرغم من كل الصعاب التي تعترض أصحاب القامة القصيرة في المغرب، يسجل نزار بارتياح التحول الإيجابي الذي بدأ يلمسه اليوم داخل المجتمع اتجاه هذه الفئة، والذي أضحى أكثر تقبلا لها مقارنة بالسابق، مشددا على أن المشوار لا يزال طويلا للقطع النهائي مع الصور النمطية.  

أيمن نادية ونزار، أشخاص يحمولون معهم آلاف الحكايات والقصص، أبطالها قصار قامة واجهوا نظرة المتنمرين وكسروا العزلة للانطلاق نحو حياة لا تحكمها معايير الشكل أو تقيدها الأحكام المسبقة.