جمال وأمل وتعايش.. شابة مغربية تواجه “البهاق” بشجاعة

الشابة المغربية سلمى هجام واحدة من الأشخاص الذين لم تثنيهم إصابتهم بـ”البهاق” عن مواصلة حياتهم بشكل طبيعي، ومواجهة نظرة المتنمرين، ومحاولة تغيير العديد من المفاهيم والصور النمطية المرتبطة بهذا المرض الجلدي.

تقول سلمى ذات الـ24 التي تدرس الطب: “هذا النوع من الأمراض يتطلب قدرا كبيرا من الشجاعة والقوة من المصابين به لكي يستطيعوا تقبل ذواتهم أولا، ثم مواجهة نظرة الآخرين، قبل أن يتمكنوا من التعايش مع المرض والتغلب على المعاناة النفسية”.

وينتج مرض “البهاق” بحسب الأطباء، عن موت الخلايا المسؤولة عن إنتاج مادة الميلانين التي تحدد لون الجلد والشعر، لتظهر بقع فاقدة للون على الجلد، وعادة ما تنتشر بداية على اليدين والوجه.

اكتشاف المرض والعلاج

في سن 19 عاما حل “البهاق” ضيفا ثقيلا على سلمى، التي تفاجأت بإصابتها بالمرض الذي لا يعرف سببه الحقيقي، لتشرع الشابة في محاولة فهم طبيعته وكيفية التعايش معه.

تحكي سلمى لموقع “سكاي نيوز عربية” كيف انطلقت رحلتها مع المرض قبل 5 سنوات، حين اكتشفت لأول مرة بقعة بيضاء على صدرها ثم وجهها، من دون أن تستطيع تفسير سبب التغيير الذي يطرأ على لون بشرتها.

وتعاظم القلق لدى سلمى وهي تعاين زحف البقع وانتشارها تدريجيا في جسدها يوما بعد يوم، حيث بات الأمر يستدعي رأي مختص، وهو ما دفعها للذهاب إلى طبيبة، أكدت لها بعد فحوصات وتحاليل دقيقة أنها مصابة بـ”البهاق”.

تقول سلمى إن الطبيبة أخبرتها حينها بأنه لا يوجد أي علاج فعال للقضاء على هذا المرض أو الحد من انتشاره، باستثناء وجود أدوية وكريمات يمكن استعمالها فقط لمحاولة استعادة اللون الطبيعي المفقود في البقع القديمة.

وقالت: “السنوات الأولى من العلاج كانت صعبة جدا، لأن البقع كانت تواصل زحفها بسرعة رغم استعانتي بالأدوية. لكن مع مرور الوقت بدأت أتقبل وضعي الجديد وأنتظم في أخذ العلاج، حيث بدأت بالتوازي مع ذلك أعاين اختفاء بعض البقع القديمة، وفي مقابل ذلك ألاحظ استمرار ظهور بقع جديدة بشكل لا يمكن السيطرة عليه”.

السر في تقبل الذات

ويعاني المصابون بـ”البهاق”، حسب سلمى، نظرة المجتمع وسط انتشار الاعتقادات الخائطة التي ارتبطت بهذا المرض، وعلى رأسها إمكانية الإصابة بالعدوى في حال مخالطة شخص مصاب.

وتستطرد الشابة: “الجهل بطبيعة المرض يتمخض عنه في الكثير من الأحيان تفاعل سلبي من قبل البعض مع المصابين بالبهاق بشكل مقصود أو غير مقصود، عبر استخدام ألفاظ جارحة تفاقم الإحساس بالانطواء والعزلة وفقدان الثقة بالنفس”.

وتضيف سلمى: “صحيح، لا يمثل البهاق خطرا على الصحة، لكنه يخلف آثارا نفسية عميقة، فقد كان من الصعب علي في السنوات الأولى التعايش مع تغير شكلي ومع وضعي الجديد”.

وانطلاقا من تجربتها، ترى سلمى أن تقبل الذات والإحساس بالتميز والجمال من بين الأشياء التي تمنح المصابين بـ”البهاق” ثقة في أنفسهم، وتساعدهم على التغلب على المعاناة النفسية وعلى عزلتهم عن محيطهم الخارجي.

وتحرص سلمى على مشاركة متابعيها صورها على منصات التواصل الاجتماعي، دون الاختباء وراء مساحيق التجميل التي يمكن استعمالها لإخفاء البقع وتوحيد لون البشرة.

وتؤكد الشابة أن مشاركتها للصور مع متابعيها مع حرصها على أن تكون البقع المنتشرة على وجهها بارزة في تلك الصور “رسالة أمل للمصابين بالبهاق الذين لم يتعايشوا بعد مع هذا المرض، مفادها أن الإصابة لا ينبغي أن يقف عائقا أمام تحقيق أحلامنا، وبأن الحياة ينبغي أن تستمر مهما كانت الظروف”.

وترى سلمى أن الجمال الحقيقي يكمن في تقبل اختلافنا عن الآخرين والتعايش مع المرض، بعيدا عن الأفكار السلبية التي تجعل الشخص يتقوقع في دوامة من الحزن والتشاؤم قد تدفعه للاستسلام.

تجربة مؤلمة وممتعة

وتشدد سلمى على أهمية الدعم والمواكبة النفسية للأشخاص المصابين بـ”البهاق” من أجل تعزيز ثقتهم بأنفسهم، وتجنب السقوط في شراك المعاناة النفسية التي تساهم في تسريع انتشار البقع على أنحاء الجسم.
وتتابع أنه “من الطبيعي أن يتأثر الإنسان نفسيا في بداية اكتشافه للمرض”، غير أنها تؤكد على أنه “من الخطأ أن يقحم نفسه في حلقة مفرغة بسبب تغيير في لون بشرته أو بسبب نظرة الآخر إليه”.

وتدعو الشابة إلى التعامل مع هذا المرض كباقي الأمراض العادية التي يمكن أن تصيب أي شخص، مع العمل على تسهيل الولوج إلى العلاج وتوفير الأدوية اللازمة لذلك.

وتصف سلمى إصابتها بـ”البهاق” بالتجربة المؤلمة والممتعة في آن واحد، لكونها مكنتها بعد سنوات طويلة من المعاناة من اكتشاف ذاتها، وإلهام أشخاص آخرين أصيبوا بدورهم بالمرض، ومساعدتهم على التعافي النفسي.