مادلين أولبرايت.. رحيل دبلوماسية أميركا المخضرمة

وذكرت أسرة أولبرايت، أول سيدة تشغل منصب وزيرة خارجية الولايات المتحدة الأميركية عام 1997، في بيان عبر “تويتر”: “أنها توفيت بعد معاناة مع مرض السرطان”.

النشأة والمولد

ومادلين كوربل أولبرايت، التي شغلت منصب مندوب واشنطن الدائم في الأمم المتحدة بدءا من 27 يناير 1993 وحتى 21 يناير 1997، قبل توليها قيادة الخارجية الأميركية، ولدت في 15 مايو 1938، واسمها ماري آنا كوربولوفا، وكانت تنتمي إلى الحزب الديمقراطي الأميركي.

كما كانت أول امرأة تتسلم منصب وزير الخارجية في الولايات المتحدة الأمييكية بعد أن سماها الرئيس بيل كلينتون في 5 ديسمبر 1996 لهذا المنصب لتكون وزير خارجية فترته الرئاسية الثانية، حيث تسلمت منصبها في 23 يناير 1997 لتصبح وزير الخارجية الـ64 للولايات المتحدة، وظلت في منصبها حتى 20 يناير 2001.

وولدت في مدينة براغ عاصمة جمهورية تشيكوسلوفاكيا (التشيك) ونشأت على المذهب الروماني الكاثوليكي في المسيحية حيث كان والداها يهوديي الأصل إلا أنهما تحولا إلى المسيحية الكاثوليكية وتحولت لاحقا إلى الكنيسة الأسقفية البروتستانتية، وكان لديها شقيق وهو اقتصادي يدعى “جون”.

كما أن والدها جوزيف كوربل، كان دبلوماسياً تشيكوسلوفاكِيّاً، ثم أستاذا في العلوم السياسية بجامعة دنفر في الولايات المتحدة.

وتخرجت من “كينت دينفر سكوول” في عام 1955، وحصلت على الشهادة الجامعية مع مرتبة الشرف من كلية “ويلزلي كوليدج” في مجال العلوم السياسية.

وخلال فترة الدراسة الجامعية انضمت أولبرايت، التي كانت تتحدث أربع لغات، إلى الحزب الديمقراطي والتقت خلالها بزوجها المستقبلي جوزيف ميديل باترسون أولبرايت، ابن أسرة أميركية شهيرة في مجال النشر.

الفرار لبريطانيا وأميركا

وفرت ابنة الدبلوماسي التشيكي إلى إنجلترا مع عائلتها خلال الحرب العالمية الثانية، لكنهم عادوا بعد هزيمة ألمانيا النازية، لكنها اضطرت إلى الهرب مجددا، إلى الولايات المتحدة، بعد سيطرة الشيوعيين على بلادها.

وكانت أولبرايت في الحادية عشرة من عمرها عندما وصلت إلى جزيرة إليس الواقعة في خليج نيويورك عام 1948.

ومنذ عام 1959 إلى غاية طلاقها عام 1982 كانت مادلين متزوجة بالصحفي جوزيف ميديل باترسون ولهما ثلاث بنات.

قامت مادلين أولبرايت، وزيرة الخارجية، بزيارة معبد بينكاس في براغ عام 1997. وهناك، وجدت مادلين أولبرايت أسماء جدها وجدتها أرنوست وأولجا كوربل ضمن قائمة تضم أكثر من 77000 شخصًا من يهود التشيك وسلوفاكيا الذين لقوا حتفهم في الهولوكوست.

وحينها علقت قائلة: ” لم أعلم أن عائلتي كانت ضحية الهولوكوست بشكل شخصي”.

وتضيف: “عندما أصبحت سفيرة للأمم المتحدة، تلقيت خطابا في نوفمبر عام 1996، من شخص كان يتضمن كل الحقائق، فقد تضمن اسم العائلة الخاص بوالدتي، واسم القرية التي وُلد بها أبي، وكذلك سلسلة من الحقائق، قررت بعد ذلك وأنا مع أولادي في إجازة أنني حقًا أريد التحدث معهم حول هذا الأمر، فقلت، “أتعرفون، لقد تلقيت هذا الخطاب وأصبح لدي أسباب لأؤمن أن أبي وأمي كانا يهوديين، ويجب عليكم أن تعرفوا ذلك.”

وتابعت:” كنت مبهورة جدًا عند علمت أنني كنت يهودية، لقد كانت خلفيتي مثيرة للاهتمام، وأعتقد أن اكتشاف هذا الأمر قد أضاف إلى ثراء كوني جزءًا من تاريخ مبهر، ولكن كانت المعلومات المتعلقة بالهولوكوست مجرد شيء مفجع”.

وتردف:” أنا حقًا لم أعرف أجدادي، أننا غادرنا إلى إنجلترا عندما كان عمري سنتين، وقد أخبرني والديّ أن أجدادي لقيا حتفهما خلال الحرب، وكما اتضح، فإنهما لقيا حتفهما بالفعل”.

تأييد كلينتون ومناهضة ترامب

ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة، كانت من مؤيدي هيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون لترشيح نفسها في انتخابات الرئاسة الأميركية في 2008، كما أنها ظلت تناصر عائلة كلينتون حتى وافتها المنية.

وآنذاك، قالت عن هيلاري كلينتون:” أنا أعرفها منذ فترة طويلة، إنها ذكية جدا وتعمل بجد وهي الأفضل، لديها خبرة أكثر من أي شخص آخر مرشح لرئاسة البلاد، إنها تستمع إلى الناس سواء في الولايات المتحدة أو خارجها، وساهمت في تلميع صورة الولايات المتحدة. أعتقد أنها أكثر شخص مهيأ لمنصب الرئاسة”.

وفي آخر تصريحاتها عام 2017 كتبت تغريدة ردت فيها على الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، حيث تعهدت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، بتسجيل نفسها كمسلمة إذا قام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بإنشاء سجل وقاعدة بيانات خاصة للمسلمين في أميركا.

وقالت أولبرايت حينها، إنها “على أهبة الاستعداد للتسجيل في سجل المسلمين، احتجاجا على سياسة الرئيس الجديد.

أدوارها في السياسة الأميركية

تحولت أولبرايت إلى واجهة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة في العقد بين نهاية الحرب الباردة والحرب على الإرهاب التي بدأت عقب هجمات 11 سبتمبر 2001، وهي الحقبة التي بشر بها الرئيس جورج بوش باعتبارها “نظاما عالميا جديدا”.

وأثناء توليها الخارجية دعت أولبرايت إلى زيادة نفوذ حلف شمالي الأطلسي (الناتو) وساعدت في التوسط في مفاوضات السلام الإسرائيلية الفلسطينية.

كما شاركت بشكل كبير في المفاوضات التي فشلت في النهاية مع كوريا الشمالية بهدف الحد من طموحاتها النووية.

في عام 2000 كانت أعلى مسؤولة أميركية تزور كوريا الشمالية وتلتقي بزعيمها كيم جونغ إيل.

وكانت أولبرايت تعتقد أنه لا ينبغي الاعتماد على الولايات المتحدة لتكون حارسًا عالميًا وحيدًا، بل طالبت بتشكيل ما وصفته بـ “التعددية الحازمة”.

الدبابيس وبوتن والعراق

طوال حياتها المهنية، اشتهرت أولبرايت بارتداء دبابيس أو دبابيس زينة لنقل رسائل سياستها الخارجية.

وعندما اكتشفت أن الروس شنوا هجوما سيبرانيا على وزارة الخارجية، كانت ترتدي دبوسًا كبيرًا على هيئة خنفسة عندما التقت بهم في المرة التالية.

وعندما وصفها صدام حسين أولبرايت بأنها “حية لا مثيل لها”، ارتدت خلال لقائها مسؤولين عراقيين دبوسا على شكل أفعى، وكانت حينها تتولى منصب المندوب الدائم لبلادها في الأمم المتحدة.

أما الدبوس على شكل نحلة فارتدته أثناء اجتماع لها مع الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات في عام 1999، الذي عكس مثابرتها لساعات طوال لإقناع عرفات بأهمية التوصل لحلول سلمية.

ووفقا لموقع ريد ماي بنز كانت “الدبابيس تعكس” مزاج أولبرايت.

وعن موقف لا تنساه فيما يخص الدبابيس، قالت خلال مقابلة صحفية على هامش منتدى الأمن العالمي، في براتيسلافا، بسلوفاكيا عام 2016: “أكبر خطأ قمت به هو ارتداء دبوس القردة الحكيمة، الذي يشير لعبارات “لا أسمع لا أرى لا أتكلم وهي ترمز لمثل صيني معناه لا أرى الشر، لا أسمع الشر، لا أتحدث عن الشر”.

وتضيف: “كان ذلك عند لقائي بالرئيس الروسي فلاديمير بوتن، كنا نسير ومعنا الرئيس كلينتون فسأله بوتن: “نحن نلاحظ دائما دبابيس الوزيرة أولبرايت”، ثم توجه إلي قائلا: لماذا ترتدين هذه القردة الثلاثة”؟ أجبت: “لأنني أعتقد أن سياستكم في الشيشان، شيطانية”.

وتابعت: “غضب مني كثيرا حينها. اليوم، أود ارتداء دبوس القردة الثلاثة من جديد، لأنني أعتقد أن بوتن يقوم ببعض الأمور السيئة”.

وكانت وزيرة الخارجية الأميركية المخضرمة وصفت بوتن بأنه “الرجل الصلب”، لأنه قلب الاتصالات الجيدة بين واشنطن وسلفه بوريس يلتسين إلى توتر دائم، وتبادل للتصريحات القوية، بحسب رؤيتها.

وعن غزو العراق وعندما سئلت عن وفاة أكثر من نصف مليون طفل من جراء الحصار الاقتصادي على العراق قالت إنه ثمن مناسب للحصار.

لكنها تراجعت وقالت ان تصريحها فهم بشكل خاطئ “وأعتذر عنه”.