شهادات من أوكرانيا.. لينين حاضر شرقاً وعداء للروس غرباً

تتواصل الاتهامات المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا، والحملات الإعلامية والسيبرانية أيضا، إلى جانب أزيز الرصاص والمدافع.

وكما في العديد من النزاعات والحروب، يظهر جزء من الحقيقة ويخفى آخر، ويضيع بين الخصوم.

إلا أن للمشاهدات الحية على الأرض وقعا آخر، وطعما مختلفا، ملونا بالحقيقة التي تقول كلمتها في الميدان.

من الشرق إلى الغرب

ولعل هذا ما نقله مراسل “العربية” حسين قنيبر على مدى أسابيع غطى خلالها العملية العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية من الشرق إلى الغرب، ناقلا مشاهداته.

فقد أوضح أنه خلال أقل من ثلاثة أشهر قادته تغطية “العربية” و”الحدث” للملف الأوكراني مرتين ‏إلى أراضي أوكرانيا قبل وبعد بدء العملية العسكرية،‏ ومرّتين إلى بولندا لتغطية زيارة الرئيس الأميركي جو بايدن إلى وارسو وموجات اللاجئين عند الحدود، ومرتين إلى جنيف حيث انعقدت محادثات أميركية-روسية لم يُكتب ‏لها النجاح.

أما أبرز ما علِقَ في ذاكرته لمشاهدات من مدن مختلفة، فأوضحها في تعليق مفصل نشره على حسابه على فيسبوك.

ففي مدينة خاركيف، شمال شرق أوكرانيا، التي تضم نسبة كبيرة من الناطقين بالروسية (حوالي النصف) ومن المتحدّرين من روسيا أو تربطهم بها صلات عائلية، بدا الهوى الروسي واضحا.

“أنا الأوكرانية مع روسيا”

فقبل بدء العملية العسكرية بأسابيع قليلة، قالت أناستازيا وهي نادلة في مطعم، همساً: “إذا اندلعت الحرب سأكون، أنا الأوكرانية، بكل جوارحي مع روسيا القريبة منا جغرافياً وثقافياً ولغوياً”.

لا بد من الإشارة هنا إلى أن الصلات التجارية أيضاً كبيرة بين خاركيف والداخل الروسي، خصوصاً مع مدينة بلغورود التي يفصلها عن خاركيف معبر أوبتيفكا الذي كانت تحتشد عنده عشرات الشاحنات.

من دونباس(رويترز)

من دونباس(رويترز)

صور لينين

وفي كراماتورسك، البلدة الواقعة في القسم الذي لم يسيطر عليه الانفصاليون المدعومون من موسكو في إقليم دونباس (في الشرق الأوكراني) والذي تعرض لقصف عنيف في بداية العملية العسكرية، مازال شعار المنجل والمطرقة الشيوعي ومعه صور لينين حاضرة في عدة ساحات رغم تغيير السلطات الأوكرانية أسماء حوالي 50 ألف شارع مرتبطة برموز شيوعية ورغم اقتلاع حوالي 1300 تمثال للينين.

في حين ينتشر الفقر في بلدة كونستانتينوفكا، الواقعة قرب الخط الفاصل بين القوات الأوكرانية والانفصاليين.

 من لفيف (فرانس برس)

من لفيف (فرانس برس)

وتتحلّق عند مدخل السوبرماركت الواقع قرب كنيسة البلدة متسوّلات مُسنّات قلّما يلْقَيْن تجاوباً. فهناك قال رجل عاطل عن العمل للعربية: “أصبحنا نتحسّر على أيام الحقبة السوفياتية التي، ورغم قمع الحريّات، كانت تضمن الحد الأدنى من احتياجاتنا”.

عداء واضح

أما في لفيف، كبرى مدن الغرب الأوكراني، فتختلف اللهجة تماماً، إذ يظهر العداء لروسيا الذي يغذّيه شعور بالانتماء لقومية أوكرانية متجذّرة في تاريخ يمتد مئات السنين، عندما كانت المدينة جزءاً من مملكة بولندا.

ففي مقابلتين أجرتهما العربية مع عمدة المدينة والحاكم العسكري للإقليم ومع مواطنين عاديين، بدا واضحا أن الدين هو من بين عوامل عدم الودّ تجاه الروس، لاسيما أن معظم سكان المدينة من الكاثوليك، خلافاً لأغلبية الأوكرانيين الأرثوذكسية.

هذا في أوكرانيا، أما في بولندا فكان مفاجئاً التعاطف الواسع مع ملايين اللاجئين الأوكرانيين الذين كان في انتظارهم متطوعون بولنديون وأوروبيون عرض بعضهم على اللاجئين مأوى مجاناً مع تأمين النقل المجاني إلى وجهة اللاجئ، سواء في بولندا أو في أي دولة أوروبية مجاورة.

ومن بين المتطوعين سيّدة روسيّة، صعد على متن سيارتها الفخمة، بحسب المراسل، خمسة أفراد من عائلة أوكرانية، متوجهين إلى منزلها في مدينة بعيدة عن الحدود.

لاجئون بخمس نجوم

كما أن إحدى المتطوعات وصلت من إستونيا لتعرض على لاجئين توظيفهم في شركتها مع ضمان نقلهم مجاناً إلى بلدها، فيما جاء متطوعون آخرون من تشيكيا وألمانيا والدنمارك وهولندا وبلجيكا ودول أخرى، ما دفع البعض إلى القول: هؤلاء لاجئون بخمس نجوم بالمقارنة مع لاجئي الشرق الأوسط.

أما عن الرئيس الأميركي فأوضح أن هفواته تزايدت خلال الفترة الماضية، لاسيما خلال زيارته الأسبوع الماضي إلى بولندا، حيث قال هناك إن الجنود الأميركيين سيتوجهون إلى أوكرانيا، وهو ما لم يكن واردا بطبيعة الحال، ما دفع البيت الأبيض لاحقا، للتخفيف من وقع كلام الرئيس.