الممتنعون عن التصويت.. تحدي ماكرون الكبير قبل جولة الانتخابات الثانية

تكشف نتائج الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية الفرنسية عن تحولات كبيرة في علاقة المجتمع الفرنسي مع السياسة، فنسبة المقاطعة التي تجاوزت 25 في المئة بزيادة 6 في المئة تقريباً عن الانتخابات الأخيرة عام 2017 تقول الكثير عن هذه العلاقة.

هذه المقاطعة نجمت عن فقدان نسبة كبيرة من الناخبين الفرنسيين الثقة بالسياسة والمرشحين الذين تسابقوا للفوز في هذه الانتخابات. وإذا ما كان الرئيس المرشح إيمانويل ماكرون قد حصد أكثرية الأصوات بفارق مريح عن منافسته من أقصى اليمين مارين لوبان، فإن ذلك لم يكن اقتناعاً ببرنامجه الانتخابي أو أدائه في السنوات الخمس الماضية بقدر ما هو غياب مرشح آخر قريب من الناس وواقعي ليناقش مشاكلهم وهمومهم.

وبحسب الشرائح العمرية التي صوتت في الدورة الأولى من الانتخابات، فاز ماكرون بأصوات كبار السن الذين يتجاوزون الخامسة والستين، وهذه الشريحة العمرية هي التي شاركت بالانتخابات بقوة، حيث بلغت نسبة المشاركة مقارنة مع الشرائح العمرية الأخرى 78%، وفق أرقام أصدرتها وزارة الداخلية الفرنسية.

إيمانويل ماكرون (أ ف ب)

إيمانويل ماكرون (أ ف ب)

هذا المشهد يعيد إلى الأذهان الاستفتاء البريطاني للخروج من الاتحاد الأوروبي، عندما صوت من تزيد أعمارهم عن 65 عاماً لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد. وإذا كان ماكرون ليس من دعاة إجراء استفتاء مماثل، إلا أن ديناميكيات التصويت تبدو متشابهة بين فرنسا وبريطانيا، فأنصار ماكرون من كبار السن يعتبرون أنه يمثل استقراراً اقتصادياً للبلاد ولهذه الشريحة العمرية، وهذا الأمر كان رافعة التصويت كذلك خلال الاستفتاء البريطاني.

يضاف إلى ذلك تراجع شعبية الحزب الاشتراكي والحزب الجمهوري، قطبي السياسة تاريخياً في فرنسا، فضاعت القواعد الانتخابية لهذين الحزبين بين ماكرون ولوبان اللذين قاما بتطعيم برنامجيهما بأفكار من الحزبين، استغلالاً لتراجع مرشحة اليمين فاليري بيكريس من أفكار اليمين الديغولي، ومرشحة اليسار آن هيدالغو من أفكار اليسار الاشتراكي، حيث جاءت نتائج المرشحتين ليست فقط مخيبة للآمال، بل صادمة مع عدم تجاوزهما نسبة الخمسة في المئة من التصويت.

مرشح واحد كاد يقلب السيناريو المكرر من عام 2017 لهذه الانتخابات هو مرشح حزب “فرنسا المتمردة” من اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون، الذي حل ثالثاً بفارق طفيف جداً عن لوبان، لكن تشتت اليسار بين 6 مرشحين وعدم قبولهم الانسحاب لصالحه، أضاع عليه أصواتاً، وفرصة كبيرة في أن يكون زعيماً ليسار جديد، أكثر جنوحاً نحو الراديكالية يكون نداً في التطرف لليمين المتطرف المتمثل بـ”التجمع الوطني”، ففي معركة صعود اليمين المتطرف تتقدم مارين لوبان باستمرار وثقة، متسلحة بقاعدة انتخابية عنيدة وعقائدية تصوت لها بعيون مغمضة، بعكس ماكرون الذي لا يملك قاعدة انتخابية أصيلة، ففي انتخابات عام 2017 وصل إلى الحكم بفضل أصوات الأحزاب الأخرى الخاسرة التي شكلت ما يعرف باسم “الجبهة الجمهورية” لمنع لوبان من الوصول إلى قصر الإليزيه، وهذا يتكرر الآن لكن مع فارق جوهري، وهو أن هذه الجبهة مضعضعة أكثر من أي وقت مضى، ومخترقة إلى حد كبير من قبل المد المتطرف في فرنسا، خصوصاً على ضفة اليمين الذي كان معتدلاً.

اليوم، التحدي الأكبر أمام ماكرون، قبل الجولة الثانية من الانتخابات التي ستقام في 24 أبريل المقبل، هو إبراز حقيقة مشروع اليمين المتطرف الساعي نحو مجتمع فرنسي منقسم أكثر، ومنغلق على الآخر داخلياً، وخارجياً في موقع فرنسا داخل الاتحاد الأوروبي، وإقناع الممتنعين عن التصويت بأن منافسته التي سيواجهها بعد أقل من أسبوعين في الجولة الثانية ليست مجرد ربة منزل لطيفة تحب القطط كما تحاول أن ترسم صورة جديدة لها في عيون الفرنسيين، لكن ذلك لن ينجح على الإطلاق من دون طمأنة الممتنعين، وفي مقدمتهم الفرنسيون من أصول مهاجرة، خصوصاً المسلمين منهم، بأنه رئيس لن يقايض على أصواتهم مقابل أمان لم ينجح بأن يشعرهم به خلال خمس سنوات من حكمه، فكانوا أهدافاً للمتطرفين وعرضة لإهانات استهدفت معتقداتهم وثقافتهم ومضايقات مارسها أحياناً بعض وزراء حكومته، ووسائل إعلام.