لعبة “المحيبس” تتألق.. أيقونة العراقيين في رمضان

وكلمة “محيبس”، هي تصغير لكلمة “محبس”، والتي تعني خاتم باللهجة العراقية، وهي لعبة شعبية، تجمع مختلف الفئات العمرية، ويقال إن تاريخها يعود إلى العباسيين، وربما أبعد من ذلك، وبقيت تلك اللعبة حاضرة في أذهان العراقيين ويمارسونها في كل موسم رمضاني، بل تطورت خلال السنوات القليلة الماضية.

وعادة ما تبدأ طقوس تلك اللعبة بعد وقت الإفطار، أو صلاة التراويح، حيث يتوجه الرجال قاصدين المقاهي الشعبية، للسمر، أو ما يسمونه محليا “تعلوله”، حيث تبدأ هناك المباراة التي يترقبها الجميع.

وتقوم هذه اللعبة على وجود فريقين، (بأي عدد ممكن)، حيث ينتظم اللاعبون في مجموعتين تمثلان غالبا، حيا سكنيا، أو منطقة، أو محافظة، وعادة ما يكون بينهما تحد ومنافسة شديدة، أو رغبة شديدة بالفوز، للصعود إلى المرحلة الأخرى، في حال تنظيم دوري، كما هو حال كرة القدم.

بعد ذلك، يجلس اللاعبون في صفين متقابلين، ويقوم رئيس أحد الفريقين بإخفاء “المحبس” في يد لاعب من فريقه، بعيدا عن أعين الصف الآخر، ثم يسعى قائد الفريق الخصم، أو أحد لاعبيه، للتعرف على اليد التي تخفي المحبس من بين كل الأكف المسدودة، وإذا نجح في المهمة يبدأ التصفيق والتهليل، وتُحتسب نقطة لفريقه.

 

وتشترط تلك اللعبة الاتفاق على عدد النقاط التي يستلزم الحصول عليها للفوز، ومن سيصل إليها أولا، سيكون هو الفائز، فيما سيكون لزاما على الطرف الخاسر شراء صواني البقلاوة، والزلابية وزنود الست، (أنواع من الحلويات المحلية) وتوزيعها على الفريق الفائز، وعلى المشجعين ورواد المقهى كذلك.

وخلال العقود الماضية، أصبح لهذه اللعبة رجالها المشهورين بها، ممن عُرفوا بالفراسة، والنظرة الحادة، والقدرة على التقاط الخاتم، من بين مئات الأيدي، حيث يحاول أصحابها التمويه، والتلاعب، واستخدام الحيل النفسية، وإظهار التوتر، لإيهام الخصم بامتلاكهم الخاتم.

ويقول الباحث في التراث البغدادي، عادل العرداوي، إنه “ليس هناك تاريخا محددا في اليوم والسنة، لانطلاق تلك اللعبة، لكنها تعود إلى العصور السابقة، وتكوّنت تقاليدها عبر الزمن، بفعل الممارسة الاجتماعية، وهي تقليد راسخ، اخترعه العراقيون، لقضاء ليالي رمضان الطويلة، فالبعض يذهب إلى الصلوات، والآخر إلى زيارة المراقد الدينية، فيما يلجأ غالبية الشباب إلى تلك اللعبة”.

ويضيف العرداوي في تصريح لـسكاي نيوز عربية، أن “هذه الممارسة تحتاج إلى صفات خاصة في قادة الفرق، واللاعبين الأساسيين، مثل مهارة قراءة الوجوه، والتحكم بالأعصاب، والسيطرة على الاستفزاز، وتحريك الذهن، خلال رحلة البحث عن الخاتم، للظفر بالفوز”، مشيراً إلى أنها “تبدأ بضم المحبس، وهو ما يُسمى شعبياً بالـ(بات)، وتنتهي بتوزيع الحلوى على الجميع الفائزين والخاسرين”.

وشهدت تلك اللعبة قبل عام 2003 تنظيم بطولة خاصة بها من قبل جهات متنفذة في النظام العراقي السابق، وتم تسليط الضوء عليها من قبل وسائل الاعلام العراقية آنذاك، وباتت شهرة جاسم الأسود، الذي يعد اللاعب الأبرز في هذه اللعبة في الداخل العراقي تضاهي شهرة نجوم لعبة كرة القدم والغناء والتمثيل.

 وخلال السنوات الأخيرة برز لاعبون جدد، لكنهم لم يتمكنوا من مزاحمة جاسم الأسود الذي بقي النجم الأول في لعبة المحيبس في العراق بسبب فراسته الكبيرة في تشخيص مكان المحبس.

وخلال سنوات الاضطراب الأمني التي شهدها العراق، تراجع الاهتمام الشعبي بتلك اللعبة، لجهة صعوبة التنقل بين المناطق، والتواجد في المقاهي لساعات متأخرة من الليل، لكن بعد انتهاء الحرب على تنظيم داعش، عام 2017، والاستقرار النسبي للوضع الأمني، عادت تلك اللعبة بقوة، وبرعاية من شركات محلية، إذ تُقام حالياً “بطولة العراق المركزية للمحيبس”، بمشاركة 20 فريقاً.

 ويُرجع بعضهم تاريخ تلك اللعبة إلى مجلس أحد الخلفاء العباسيين، إذ يُحكى أنها ظهرت بعد إخفاء أحد جلسائه لخاتم الخلافة، وبدء تخمين مكان وجوده، فانتشر الخبر وراق الأمر للكثيرين، فلعبوها ومن ثم انتشرت إلى خارج القصر ببغداد.