مظفر النواب.. هكذا قالوا عن شاعر الغضب والهجاء والتمرد

وللحديث النقدي عن رحيل النواب وما تركه من إرث أدبي وفني، وعن مجمل تجربته الشعرية، يقول عارف الساعدي، الشاعر والناقد ومدير عام دائرة الشؤون الثقافية في وزارة الثقافة والسياحة والآثار العراقية، لـ”سكاي نيوز عربية”: “يمثل رحيل النواب محطة لاستذكار شخصية وقامة كبيرة ليست فقط شعرية وأدبية، إنما هي قامة وطنية سياسية واجتماعية عالية بنيت وصقلت مواقفها الفكرية والسياسية بناءا على أفكاره وانتماءاته التقدمية والتنويرية التي تبلورت في مراحل شبابه الأولى، فالشاعر عاش في وجدان القراء والناس لإنه تبنى قضاياهم وهمومهم، وهو ما تسبب في عيشه في العديد من المنافي خارج بلاده”.

ويضيف الساعدي: “مظفر النواب يتناوبه ويتجاذبه شاعران، الأول هو الشاعر الشعبي العظيم والمهم الذي مثل مرحلة حداثية في انتقال الشعر الشعبي لمصاف الشعر الوجداني الكبير، الذي عشش في قلوب الناس، وخصوصا بعد أن غنيت معظم قصائده في نهاية الستينات وبداية السبعينات، مع ازدهار الحياة المدنية والثقافية العراقية آنذاك، قبل البدء بعسكرة المجتمع العراقي، حيث انتقل على إثر ذلك للمنفى معارضا صلبا، ولا زالت أغنيات قصائده تلك تردد في معظم البيوت العراقية لحد اليوم”.

والشاعر الثاني هو مظفر النواب السياسي، كما يوضح الساعدي، متابعا: “والذي نجده في قصائده وأشعاره الفصيحة بلغة الضاد، والذي كتب الشعر الهجائي في نقد المواقف السياسية العربية ودافع فيها عن القدس وفلسطين، وقصائده في هذا الإطار ترسخت في وجدان وذاكرة معظم الشعوب العربية وليس الشعب العراقي فقط، ولهذا نرى حجم الصدمة في الشارع العربي عامة من غياب هذا الشاعر الكبير”.

لكن كيف يمكن تفسير هذا الاهتمام الواسع الذي حظي به النواب في رحيله، مع قول البعض أن هالة الشعر قد خفتت في ظل زمن الزمن الرقمي، يرد :”السوشيال ميديا لها محاسنها أيضا رغم انتقاداتنا لها، فالآن الترند هو مظفر النواب لكن مع الأسف عبر رحيله، وهذا الرحيل الذي باغت الناس صنع ردة فعل وجدانية ليس فقط بين الشعراء والمثقفين والأدباء والأوساط الحكومية والثقافية العربية، بل بين عامة الناس والشباب منهم حتى، وجميعهم الآن بدأوا يبحثون عن نتاجات النواب وأشعاره وسيرة حياته، وبهذا ربما يفتح رحيله بوابة لاعادة الاعتبار للقراءة والمراجعة”.

لكن هل تعود شهرة النواب الواسعة وأشعاره لكونه شاعرا ملتزما أم لكونه شاعرا مبدعا للشعر من أجل الشعر فقط من زاوية فنية بحتة ومجردة، بغض النظر عن محتواه السياسي، يجيب الساعدي :”تجربة النواب غنية ومتعددة ولا يمكن حصرها في قالب واحد، حيث لديه قصائد شعرية كتبت من أجل الشعر، وخاصة الشعبية منها لكن شهرته الواسعة تحققت بفعل مواقفه وأشعاره السياسية الهجائية، حيث الجميع يحفظون شتائمه في إحدى أشهر قصائده الهجائية والتي لم تكن في واقعها شعرية، بل عبارة عن هجاء وذم سياسي بسيط لكنه تعبير عن موقف سياسي طبعا، ولهذا حظي عبر التزامه السياسي هذا بحب الكثيرين وتقديرهم، رغم أن هذا الالتزام لا يعني أن قصائده بالفصحى كانت عالية الجودة فنيا في مجال الشعر الفصيح، لكن في مجال شعره الشعبي لديه ولا شك الكثير من القصائد العالية السوية الفنية، وحتى لديه مثلها في أشعاره الفصحى، فمثلا نصه الذي يقول : “تعلل فالهوى علل وصادف أنه ثمل، يعد من نصوصه البالغة القوة فنيا وتعبيريا، بسبب ابتعاده فيه بعض الشيء عن النزعة الأيديولوجية والسياسية”.

فهل يمكن اعتبار تدني المستوى الفني نسبيا للشعر السياسي المباشر بصفة عامة انعكاسا لطغيان الانفعال والأدلجة، يرد الساعدي: “الشعر السياسي والهجائي الذي كتبه النواب مثلا في السبعينات والثمانينات لا يصلح غالبا في هذا الزمن، فهو إبن زمنه ولا شك وظروفه، وهذا الشكل من الشعر هو يشتهر وينتعش فقط في ظل القمع والكبت والمنع والأنظمة الديكتاتورية، أما في ظل الأنظمة الديمقراطية والحريات، فإن هذا اللون الشعري يبهت ويخفت ولا يجتذب الجمهور والقراء”.

لكن ماذا عن القول إن المؤسسات الثقافية العراقية الرسمية مقصرة في الاهتمام بالمبدعين ورموز الثقافة العراقية، ولا سيما المرضى منهم والمتقدمين بالسن، يجيب المسؤول الثقافي العراقي: “صحيح تماما والتقصير يشمل عموم مثقفي العراق بالداخل والخارج وليس فقط مظفر النواب، فهل يمكنك أن تأتيني بمستشفى عراقي جيد قادر مثلا على استضافة النواب على مدى 6 أعوام، لا طبعا حيث لا وجود لهكذا مؤسسات صحية متقدمة هنا، وهكذا فالسياسيون العراقيون حين يمرضون يعالجون في مستشفيات خارج العراق”.

 ويضيف مدير دائرة الشؤون الثقافية العراقية: “رغم علاقات مظفر النواب الواسعة والجيدة مع مختلف السياسيين العراقيين ولا سيما بعد العام 2003، وخاصة مع الرئيس العراقي الراحل مام جلال الطالباني، الذي كانت تربطه به علاقة وطيدة وبينهما حب وتقدير بالغان، حيث عرض عليه الطالباني البقاء في العراق، لكنه رفض وفضل البقاء في دولة الإمارات في الشارقة، وحين مرضه عولج فيها برعاية كريمة من حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي”.

 وعن آخر لقاء جمعه بالراحل الكبير في الإمارات، يقول الساعدي: “في العام 2018 حضرنا مؤتمر اتحاد أدباء العرب المنعقد في العاصمة الإماراتية أبوظبي، وعندما استضافنا الشيخ القاسمي في منزله على هامش المؤتمر، تقدمنا له بالشكر الجزيل على استضافته ورعايته للشاعر العراقي الكبير مظفر النواب، وطلبنا منه التكرم بالموافقة على زيارتنا للنواب بالمستشفى ووافق مشكورا، كون الزيارات كانت ممنوعة بسبب حراجة وضعه الصحي، لكن موعد الزيارة حدد بعد أيام، ومع الأسف غادرنا نحن في اليوم التالي لبغداد، لكن بعد ذلك في العام 2020 خلال زيارتي إلى مدينة الشارقة الإماراتية، قمت بزيارة النواب في المستشفى هناك، بمعية الصديق الشاعر الإماراتي حسن النجار، حيث قبلته في جبينه”.

 هذا ونعى الرئيس العراقي، برهم صالح، في تغريدة عبر تويتر الشاعر النواب قائلا: “يبقى حيا في ذاكرة الشعب من زرع مواقفه السياسية والوجدانية بشكل صادق”. 

من جهته قال رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، في تغريدة على حسابه في تويتر: “الراحل الكبير مظفر النواب. العراق الذي طالما تغنّيت باسمه أينما حللت، وأفنيت عمرك لإعلاء مكانته، يكتسيه الحزن وهو يودّعك إلى مثواك الأخير مثقلا بأسى خسارة ابن بار ومبدع لا يتكرر”.

كذلك نعى وزير الثقافة العراقي، حسن ناظم النواب، في بيان وصفه فيه بأنه من “أهم الأصوات الشعرية العراقية”.

واعتبر أن “رحيله يمثّل خسارة كبيرة للأدب العراقي لما كان يمثله كنموذج للشاعر الملتزم، كما أن قصائده رفدت المشهد الشعري العراقي بنتاج زاخر تميز بالفرادة والعذوبة”. 

هذا واستعاد عراقيون وعرب على مواقع التواصل الاجتماعي مقاطع من قصائد النواب، التي كان لها تأثير كبير في الشعر العربي والشعر الشعبي العراقي، معربين عن حزنهم لفقده.

وللنواب العديد من القصائد، أبرزها قمم قمم وأصرخ والبراءة وسوف نبكي غدا وأيام العشق.