محمد النعاس الفائز بـ”البوكر”: هذه أسرار نجاح روايتي

والروائي المتوج هذا العام حاصل على بكالوريوس الهندسة الكهربائية من جامعة طرابلس في 2014، وقد صدرت له مجموعة قصصية بعنوان “دم أزرق” في عام 2020.

موقع “سكاي نيوز عربية” أجرت مع الروائي النعاس الحوار الآتي حول كيفية خوضه غمار الرواية الفائزة بـ”البوكر“، وعلاقة الرجل بالمرأة في المجتمع الليبي:

ما هو تأثير الثقافة الشفهية في كتابتك لرواية “خبز على طاولة الخال ميلاد”؟

تعتبر الأمثال الشعبية بصفة عامة داخل البلد تعتبر كنوع من الدستور أو المعيار الذي يتم استحضاره في الحياة اليومية، تجيب على الأسئلة التي تبحث عن المرجع دائما وكثير من هؤلاء الأجداد لا يعرفون من قال هذا الكلام.

اعتمدت على مجموعة من الأمثال، واستحضرت الرواية نفسها من المثل القائل “عائلة وخاليها ميلاد”. غير الليبي لا يفهم معنى هذا المثل. يجب أن تكون على احتكاك بالمجتمع الليبي لكي تفهم جوهر الرواية، وكذلك النسق الذي جاء منه المثل. فهو يعني إنه مثل يقدح في نساء البيت عن طريق الرجل الذي لا يتحكم فيهن. شخصية الرواية ميلاد، هو رمز سلبي لأن النساء متحررات في ظله حتى أنني سميته الرجل الضد. فيما الرجال المثاليون هم كما نقول في المثل “التريس ماتت في تشاد”، والتريس في ليبيا يعني الرجال الأشداء، أي ماتوا في حرب تشاد في الثمانينات، والرجال يموتون في الحرب دائما. وفي أمثال أخرى نقول” الفرس على راكبها”، أي يأخذها علتها ويربيها. الأمثال الشعبية حاضرة في الرواية، بل وكل فصل من الرواية مبني على مثل معين.

هل تعيد صياغة روايتك مرات عديدة قبل أن تستقر على صيغتها النهائية؟

بطبيعة الحال بدأت الرواية في عام. آنذاك لم أكن أعرف كيف أعجن الخبز. رغم لذلك كنت مصرا أن يكون البطل خبازا. مزقت المخطوطة الأولى. وكتبت الرواية مرة أخرى فيما بعد. لم يعجبني النص وقتها، لذا أعدت كتابته في بداية عام 2020 بأسلوب آخر، وقررت أن أتعلم صناعة الخبز لكي أعبّر عن أعماق هذا الخباز بطل روايتي. بدأت أعمل الخبز، وبذرت كيلوغرامات كثيرة من الدقيق من أجل التعلم. ومنذ أن تعلمت كيف أصنع الخبز انفتحت أمامي آفاق كتابة الرواية، لأن ميلاد كان ينتظرني أن أتعلم صنعته كي أكتب الرواية.

هل حاولت أن تكتشف المرأة في الرواية، وهل درست أوضاع المرأة في المجتمع الليبي؟

فكرة الرواية خرجت من قراءة المجتمع الليبي وتراثه، ومن خلال علم الاجتماع، ومن قراءتي الشخصية للمجتمع الذي أعيش فيه.

يجب الإلمام بالشخصيات التي نلتقي بها فما بالك بالشخصيات التي نعايشها بشكل يومي. الكاتب يجمع ملاحظاته في العقل الباطن ومن ثم تخرج الحكايات.

بالنسبة لشخصية المرأة في روايتك، كيف استوحيتها؟

كانت امرأة من المدينة ذهبت إلى المناطق العشائرية، وأصبحت شخصية مختلفة، وتعرّف عليها ميلاد لأنه كان صديق طفولتها.

هل تربيت في عائلة تقرأ وتكتب أم أنك أنت اهتديت بنفسك إلى هذا العالم؟

أنا من عائلة فيها قسمان الأول هو عائلة علوم وشريعة، أغلب اجدادي كانوا من الحافظين للقرآن الكريم، والجزء الثاني يمثلون الذين يكافحون في الحياة. والدي في الأصل هو موظف حكومي، وأصبح من التسعينيات فلاحا.

يعني أنك لم تفتح عينيك على مكتبة عائلية؟

نعم كانت لدينا في البيت كتب خاصة بعلم الزراعة وباللغة الإنجليزية، وهي كتب مشفرة بالنسبة لي. لم يكن عندنا سوى كتاب وحيد وهو للمرحوم الشاعر والمؤرخ المعروف خليفة التبليسي، وهو عبارة عن مقتطفات من الشعر الحديث. يعني لم أتعرف على السياب إلا عن طريق هذا الكتاب وكذلك نازك الملائكة والمتنبي. ويضم هذا الكتاب مجموعة من الأدباء العرب حيث فتح أمامي حب الكتب. لحد الآن لا أعرف لمن يعود هذا الكتاب لأبي أو لأمي أو لأختي. سرقت الكتاب ودأبت على قراءته، وهو أول كتاب اقتنيته في مكتبتي.

ما الذي جذبك إلى القصة القصيرة أولا لأنك أصدرت مجموعة قصصية قبل روايتك؟

في العموم أنا انسان أحب القصص، حتى قصص الحياة اليومية أستمتع بها. أنا أرى في نفسي قاصا وليس روائيا. لكنني ابتعدت عن القصة القصيرة، إذ أن آخر قصة كتبتها منذ سنتين أو ثلاث. وجمالية القصة القصيرة أنها تختزل اللحظة أو الموقف في حياتنا اليومية. بدأت كقاص رغم أن قصصي طويلة نوعا ما أي تتكون من 12 ألف كلمة أي أنني كتبت القصة القصيرة بنسق طويل، ومنها انطلقت إلى الرواية.

هل خرجت من القصة القصيرة لأن موضوع روايتك كان كبيرا لا تستوعبه القصة القصيرة؟

كان أصل روايتي قصة قصيرة، ولم تكن رواية في البداية. ويمكنني أن أقول إن روايتي عبارة عن مجموعة من القصص القصيرة المترابطة مع بعضها.

روايتك مكتوبة بسلاسة سردية أشادت بها لجنة التحكيم، هل كان ذلك خيارك؟

ربما لأن الشخصية تستدعي ذلك وميلاد شخصية بسيطة يعمل خبازا، ولم يكمل مرحلته الثانوية في الدراسة، ولغته تعبر عن أعماقه. الرواية مكتوبة على لسان ميلاد. كان يحكي عن زوجته. صحيح أنه يتكلم بلغة فصحى إلا أنه يخاطب القارئ، ويسرد له أحداث الرواية.

من هم الكتّاب والأدباء والروائيين الذين تأثرت بهم؟

من الطبيعي أن يتأثر الكاتب بجميع الكتب التي يقرأها. يمكنني القول إن الكتّاب والأدباء الذين شكلوا مرحلة مهمة في حياتي هم: الطيب صالح وموسم الهجرة إلى الشمال، ومنها أحببت فن الرواية وكذلك شخصية مصطفى، وما جذبني فيها السرد الخارج عن أطر الرواية العربية. المعلم الثاني الذي لا يعلم أنه علمني هو الكاتب الليبي الكبير إبراهيم الكوني. قرأت له أغلب كتبه، وأجمل رواية كتبها هي “الدمية”. لقد عرفني بصوت ليبيا وفتح أمامي الطريق، ومن خلاله تعرفت على الكتّاب الليبيين. نجيب محفوظ، معلمنا كلنا. نيكوس كازندزاكي ورواية “زوربا” و “تقرير إلى غريغيو”، كانتا مهمتين أيضا. ولا أنسى جورج أرويل وروايته 1984 التي قرأتها خمس مرات. ومن الأدب الأميريكي يمكن ذكر هانترس تومسن وبراعته في السرد الصحفي ونوع الصحافة الغريبة التي يكتبها. ولو سألتني بعد عشر سنوات عن ذلك يمكن أن اجيبك اجابة مختلفة.

كيف تصف المشهد الروائي الليبي للشباب حاليا؟

هناك كتّاب وأدباء أفضل مني. الشباب الليبي خرج الآن من حدود هيمنة الدولة على الأدب والثقافة، وبدأوا باكتشاف أنفسهم. أحد الكتّاب الملهمين بالنسبة لي هو كاتب شاب أكبر مني بسنة اسمه محمد المصراتي وموجود في لندن. لم يصدر أعمال أدبية بعد، لكنني أتنبأ بأن سيكون من أجمل الأصوات الأدبية الشابة.

تفتقر ليبيا كما هو معرف لدور نشر محلية، ألا يعطل ذلك نشر إنتاجات الشباب؟

هناك دور نشر ليبية ولكنها قليلة مثل دار نشر سالم السرغاني، من أعظم الناشرين العرب، ومشكلة دور النشر الليبية أنها عانت عقودا من تضييق الدولة لأنها كانت تحتكر مجال النشر، ولم تسمح للقطاع الخاص من الظهور والعمل. هناك دور نشر ليبية تستيقظ الآن من سبات الأربعين سنة وجحيم العشر سنوات الماضية.

هل لديك مشروع رواية جديدة؟

إن شاء الله، وهي مستوحاة من شخصية مذكورة في روايتي “خبز على مائدة الخال ميلاد” اسمها لطفي المنوي وهو مخرج ليبي خيالي طبعا. تتكلم الرواية عن مفهوم العار أو شيء من هذا القبيل. لم أجد لها عنوانا بعد.