معرض الرسام الطاهر بن جلون: تلوين الكلمات

الطاهر بن جلون الذي يعيش بين باريس وطنجة ومراكش، وكونه كاتبًا وشاعرًا، إلا أنه قريب من الرسم، وله علاقة حميمة مع الألوان.

هناك علاقة بين مهنة الكتابة لدى الكاتب وشغفه بالرسم. يحتاج الفنان إلى هذين النشاطين ليجد نوعًا من التوازن، والتسلية في آن.

يسعى الكاتب إلى التعبير عن عوالمه الروائية في لوحاته. ففي مقدمة كتالوج المعرض، يشرح بن جلون كيف أن نشاطه ككاتب ورسام أصبح متكافئًا مع توازنه، كما يقول: “في كل مرة، أشرح كيف انتقل من الكتابة إلى الرسم عبر عوالمي التي عشتها، وهي تدور حول الظلم والوحدة والمهجر. لكنني كنت بحاجة لاستكشاف الجانب الآخر من هذا الكون المظلم، المكان مثل لقاء صديق قديم ينير طريقي.

ويضيف: “لقد بدأت الرسم لأجعل الناس ينسون هذا الجزء المظلم الذي أكتب عنه في رواياتي”.

 ولا بد من الاشارة إلى أن للكاتب جذور في الرسم تعود إلى أيام طفولته إذ كان يرسم على ورق التغليف الأبيض الآتي من متجر التوابل الذي كان والده يديره في مدينة فاس. ولم يتركه هذا الشغف أيام دراسته، وكذلك عندما احتُجز لمدة تسعة عشر شهرًا في معسكر تأديبي، كتب سرًا قصائده الأولى.

واليوم، بعد أن نشر عشرات الروايات والمقالات والمجموعة الشعرية، يقوم بعرض لوحاته في صالات العرض والمتاحف في فرنسا وخارجها.

يُعد الطاهر بن جلون مثل الشاعر الفرنسي هنري ميشو، أحد الفنانين القلائل الذين يجمعون بين الكتابة والرسم. فقد كان يطرق أبواب دور السينما والمتاحف والمكتبات في كل من طنجة وباريس لإكتساب المعرفة.

تأثر بن جلون بالتيارات الفنية، مستوحيًا من جياكوميتي في تجسيده للمأساة الإنسانية، وبماتيس في تألق ألوانه، وبجون كولتراين في قوة الارتجال والإيقاع في موسيقى الجاز.

 الطاهر بن جلون كاتب ملتزم، عمله الأدبي يستكشف المنفى والهجرة والوحدة في واقع مرير ومؤلّم أحيانًا. لوحاته مستوحاة من طفولته السعيدة في المغرب، المزركشة بزرقة المحيط، ومستوحاة من أوشحة والدته الملونة المبتهجة بالحياة.

جاك لانغ رئيس معهد العالم العربي في باريس، كتب في مقدمة كتالوج المعرض: “عندما عُرضت لوحاته لأول مرة في متحف معهد العالم العربي في عام 2017، أعلن الطاهر بن جلون أنه يسعى لرسم النور في العالم. بعد مرور خمس سنوات، لا يمكن إنكار رؤيته الفنية على نطاق أكثر إنسانية، بل وتدعونا للمشاركة في أحاسيسها”.

 دخلت لوحات الطاهر بن جلون العديد من مجموعات المتاحف الفنية الخاصة والعامة، مثل مؤسسة يانيك وبن جاكوبر ــ إسبانيا، ومتحف سان سالفاتور في لاورو ــ إيطاليا، ومعهد العالم العربي ـــ فرنسا، ومتحف فيلا هاريس في طنجة ـــ المغرب.

الكتابة والرسم يكملان بعضهما البعض، ويستجيبان، ويشكلان لوحة واحدة من الظلال والضوء، إنها ألون الكلمات. فقد رسم الطاهر بن جلون معظم لوحات معرضه الحالي، متأثرًا بشمس مراكش، بنورها الرائع وهوائها النقي، لذلك فهي تختلف عن لوحاته التي رسمها تحت سماء باريس الرمادية”، على حد وصفه. إنها لوحات تعكس المتعة البصرية، والسحر الجميل، ورؤية الأفق، ومضات شعرية تترك أثرها القوي في النفس البشرية.