الحفيد يتحدث عن الجد.. قصة أسرة مصرية صنعت كسوة الكعبة لسنين

ومن بين هؤلاء أسرة عثمان القصبجي، التي استمرت لسنوات متعهدة نسج الحرير وزخرفته وطلائه بالذهب والفضة، ليخرج المحمل في موكب مهيب حتى يصل إلى أرض الحرمين، انطلاقا من محله في خان الخليلي وسط القاهرة، الذي لا يزال يمارس فيه مهنة التطريز حتى الآن.

ويروي أحمد عثمان عبد الحميد القصبجي لموقع “سكاي نيوز عربية” قصة عائلته مع كسوة الكعبة، مؤكدا أن جده قد عُهد إليه أعوام 1924 و1925 و1926 برئاسة مصلحة كسوة الكعبة، وظلت الكسوة تنسج وتطرز على يديه لسنوات، كما كان يصنع البدل الملكية للملك فؤاد والملك فاروق، والشارات العسكرية للجيش والشرطة المصريين وحتى بعض الجيوش العربية.

وذكر حفيد مدير مصلحة كسوة الكعبة السابق أن جده استخدم الحرير الطبيعي في كسوة الكعبة كما هي العادة، مضيفا: “كانت سعادتنا الحقيقية وقت انتهاء العمل وخروج الكسوة من دار الكسوة وحملها على الجمال، وسعادة الناس بخروج المحمل واستقباله بالعطور والورد والحلوى. كانت أجواء جميلة جدا”.

ويضيف القصبجي الحفيد صاحب الـ50 عاما، أن “كسوة العبة كانت قماشا حريريا يطرز بسلوك من الفضة المطلية بالذهب، لأن الفضة يسهل العمل بها مع القماش. العمل في هذا الوقت كان صعبا للغاية ويحتاج صبرا، فتطريز سنتيمترات قليلة كان يحتاج يوما كاملا من العمل بإتقان. كان يتطلب صبرا وتحملا وهي أشياء نفتقدها الآن”.

ويتحدث أحمد بفخر قائلا: “صنعت النياشين العسكرية في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك، وأبي كان يصنع هذه النياشين في عهد الرئيسين الأسبقين جمال عبد الناصر وأنور السادات، بينما كان يعمل جدي في العهد الملكي على صناعة هذه النياشين والبدل العسكرية والملكية”.

ويبلغ إجمالي مساحة كسوة الكعبة 658 مترا مربعا، ويطرز بالأحجار الكريمة، وكانت الكثير من الدول تتنافس على إرساله كهدية، ومنذ القرن الثالث عشر تولى فنانون مصريون مهمة صناعته وتطريزه، لكن في عام 1927، انتقل إلى مكة المكرمة، حتى بات منذ عام 1962 يصنع بالكامل هناك.

والآن ينفذ القصبجي والعاملون معه نماذج مصغرة لكسوة الكعبة، وأخرى بالحجم الطبيعي حسب الطلب، لكن غلاء المواد الأولية جعله يستبدل بعضها بأخرى أقل سعرا، حتى أصبح سعر النسخة الصغيرة من كسوة الكعبة في حدود 100 جنيه مصري، أما النسخ المقلدة الكبيرة فيصل سعرها إلى آلاف الجنيهات.

ويعاني القصبجي، والعاملون في مهنة التطريز عموما، تأثر حرفتهم بالأزمات العالمية، مثل جائحة كورونا والحرب في أوكرانيا التي قللت أعداد السائحين، لكنه لا يزال يحافظ على هذه الحرفة التي يعتبرها إرثا عائليا، ويخشى قلة عدد من يقبلون على تعلمها مع ظهور مهن أخرى أكثر جذبا للشباب.

ولم يبق الآن من المطرزين سوى 10 فقط يعتبرهم القصبجي “حرفيين حقيقيين”، لكنه يرى أن من واجبه الحفاظ على هذه الحرفة التي يزاولها هو وأجداده منذ أكثر من مئة عام.

ويقبل بعض المصريين على شراء ما يطرزه أحمد القصبجي، فضلا عن تقدير هذا الفن بشكل كبير من قبل الأجانب، حيث يحرص السياح على شراء منتجاته.