جزائريات يعدن إلى الأزياء التقليدية من أجل صون التراث

بعد تسجيل “الراي” غناء شعبيا جزائريا على قائمة التراث الثقافي غير المادي للبشرية من طرف منظمة “اليونيسكو“، يجري الإعداد لملف عن الزي التقليدي النسوي لشرق الجزائر بجميع أنواعه، في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية قبل 31 مارس القادم، حسبما نقلته وسائل إعلام محلية.

وتحظى الجزائر بتراث زاخر من الأزياء التقليدية النسائية والرجالية، نظرا للتنوع الثقافي الموجود في البلاد.

فمن لباس “كاراكو” المرتبط بالعاصمة إلى “البلوزة” الوهرانية و”الشدة” التلمسانية بالغرب، والجبة القبائلية واللحاف الشاوي و”القندورة” بالشرق الجزائري واللباس النايلي واللحاف التارقي وغيره، تواصل النساء التزين به في مناسبات الأفراح المختلفة سواء الدينية أو المحلية.

قصص نساء مع الأزياء

وتتضح الصورة أكثر بالحديث إلى ذوي الدراية، خاصة إذا كان هذا المجال مرتبطا بعالم الفن والإبداع والجمال، مثل خياطة وطرز اللباس التقليدي الجزائري الأصيل، الذي يظل حقلا مليئا بالأسرار والحكايات والألغاز.

فايزة عنتري بوزار، إحدى النساء اللواتي اقتحمن عالم اللباس الجزائري الأصيل من أبوابه الواسعة، وتحولن إلى سفراء له. فمنذ 13 سنة، وهذه المرأة تبدع بالخيط والإبرة لوحات فنية خاصة بالأزياء النسوية التقليدية المشهورة بوسط الجزائر، وقد عملت على إثرائها بلمسات ساحرة تجمع بين الأصالة والمعاصرة.

تحدثت مصممة الأزياء، فايزة عنتري بوزار لـ”موقع سكاي نيوز عربية” عن ولعها بميدان تصميم اللباس التقليدي، موضحة أن وراء دخولها هذا الميدان يبقى المساهمة في الحفاظ على تراث الأزياء التقليدية وإبقائها دائما حاضرة بين الجزائريات من مختلف الأجيال.

السيدة فايزة مَدينة لعائلتها وترجع الفضل في نجاحها في مجال تصميم الأزياء لها، خاصة أن والدها ينحدر من مدينة مليانة وأمها من قصبة الجزائر العاصمة، ومعروف عن المدينتين الأصيلتين بتراثهما الزاخر من اللباس الذي يعود إلى قرون ماضية، وكانت لها تجربة لا تنسى مع “كاراكو” (لباس تقليدي من مدينة الجزائر) جدتها الذي ارتدته وهي صغيرة وبقي حاضرا في ذهنها ليومنا هذا.

وتهتم فايزة بالطرز عند خياطة اللباس الأصيل، خاصة كاراكو، حيث تؤكد هذه المصممة أنه لا بد من المحافظة على الطرز اليدوي لأنه أصل هذا التراث وعدم التركيز على الآلات، داعية إلى دراسة تاريخ “الفلتة” و”المجبود” والتعريف بهم وهم أنواع من الأزياء المعروفة في الأعراس والأفراح.

وتبدي الجزائريات بفضل توسع التعليم وارتفاع مستواهن الثقافي، اهتماما واسع باللباس التقليدي، فهو يعطي للمرأة أناقة غير موجودة في اللباس العصري، فيما أصبحت تعلم الأمهات بناتهن أهمية هذه الأزياء كموروث خالص يحفظ الهوية الجزائرية من غزو “الموضة”.

ووصفت المصممة فايزة هذا التحول بالقول إن “المرأة الجزائرية تفطنت لأهمية الكسوة التقليدية واستوعبت أن مكانها ليس في المتاحف فقط”.

وعبرت عن تفاؤلها بمستقبل لباس “إرث الجدات”، مبرزة أن بناتا من المرحلة الثانوية ومن مختلف الأعمار صرن يرتدين “كاراكو” و”القندورة” في مختلف المناسبات وهو ما يقدم لهن “لمسة فنية جزائرية خالصة”.

اللمسة العصرية

يظل إخراج اللباس التقليدي من بعده الفولكلوري إلى بعده الثقافي الرحب رهانا لدى الكثير من المهتمات بهذا الميدان، والعمل على تحويله إلى مادة ثقافية حاضرة وسط العائلات من كل مناطق الجزائر، في المقابل ترى مصممات أن اللمسة العصرية بدأت تجد مكانها في بعض هذه الألبسة التراثية.

وهنا، تؤكد المصممة وصاحبة مدرسة للأزياء، ليندة صرموك، أن “اللباس التقليدي أصبح حاضرا بقوة لدى الجزائريات”، موضحة في الجهة المقابلة أنه “تم تقديم لمسة عصرية للبعض منه من ناحية التصميم وكذلك التفصيل بطريقة جديدة، مقارنة باللباس التقليدي الأصيل المعروف بأنه فضفاض وأكثر اتساعا”.

وتحدثت السيدة ليندة عن ظاهرة تبادل الأزياء خاصة بين العرائس، بحيث أن الزي المشهور في الشرق الجزائري ترتديه نساء الوسط في الأعراس، وزي الوسط أصبح يرتدى في مناطق الغرب، وهكذا دواليك، إذ بينت هذه الظاهرة مدى التكامل والتنوع الثقافي بين الجزائريين، بحسب المتحدثة.

من جهة أخرى، تتجه الكثير من النساء الجزائريات إلى التدريب في ميدان طرز وخياطة الألبسة التقليدية؛ خاصة من طرف ربات البيوت وحتى من طالبات الجامعة، وترجع ليندة ذلك قائلة: “ارتفاع أسعار هذه الملابس بسبب غلاء المواد الأولية من القماش والعقاش (خرزة صغيرة تزينية) واليد العاملة دفع جزائريات إلى تعلم خياطة الألبسة التقليدية للحيلولة دون شرائها مستقبلا لاستقبال أفراحهن”.

وبعد سنوات من الترويج محليا وخارجيا لهذه الألبسة الأصيلة، تنتظر نساء الجزائر بشغف أن يأخذ زيها المزيد من الأمكنة فوق مسرح التراث الإنساني.

وهذه المرة الأولى الذي يشق فيها اللباس التقليدي النسوى الجزائري طريقه للاعتراف خارج الحدود، بحيث سبق للباس العروس “الشدة التلمسانية” المشهور في غرب الجزائر أن تم تصنيفه من طرف منظمة اليونسكو كتراث غير مادي للإنسانية عام 2012.