الكاتبة ليلى عبدالله: المحلية ليست شرطا لذا حلقت نحو إفريقيا

وسلكت الكاتبة العمانية، ليلى عبد الله طريقها في عالم الأدب من خلال مجاميع قصصية ورواية، تعكس تصورها للكتابة، بينما تتحدث في حوارها مع موقع “سكاي نيوز عربية”، عن البدايات ومصادر الإلهام وموقفها من الجوائز.

أصدرت الكاتبة في العام 2014 كتابين: “رسائل حب مفترضة بين هنري ميللر وأناييس نن”، و”هواجس غرفة العالم”، الذي نال جائزة أفضل إصدار في المقالات في مسقط عام 2015.

كما أصدرت مجموعة قصصية بعنوان “كائناتي السردية” عام 2016 التي حازت جائزة أفضل كتاب قصصي في مسقط عام 2016.

وفي مرحلة أخرى، جمعت انطباعاتها القرائية في كتابها الذي حمل اسمها الجديد “أريكة وكتاب وكوب من القهوة” (2018)، وأصدرت أيضا كتابين في أدب الطفل، وروايتها الأولى “دفاتر فارهو” (2018).

يقول نقاد إن ليلى تعمل في هدوء بعيدًا عن الصخب من أجل نسج أحاسيسها في النصوص التي تعمل عليها.. فيما ينظر إليها البعض أن تمثل جيلا صاعدا من الشبان في المنطقة، وممن طرقوا باب الكتابة للتعبير عن حضورهم.

 ما الذي دفعك إلى عالم أفريقيا في رواية “دفاتر فارهو؟

ربما ما دفعني حقا هو شغفي بالعوالم الإفريقية عموما. أتذكر حين كنت أذهب برفقة شقيقاتي إلى القرية العالمية في دبي. كانت القرية الإفريقية بعوالمها الغرائبية هي أول قرية تدفعني صوبها. أسبر فيها وأنا مأخوذة بتفاصيل تاريخ مهول من الأساطير والحكايات.

دفعني ولعي هذا إلى قراءة معظم الروايات الإفريقية المترجمة للغة العربية. والكاتبة النيجيرية تشيماماندا نغوزي اديتشي هي الأقرب لذوقي القرائي.

ثم إنني لم أذهب إلى حكاية لا تخصنا نحن الخليجيين والعرب. الرواية تناولت تأثير العمالة الإفريقية في دول الخليج تحديدا. وكل ما كتبته لم يخرج عن الواقعية. اعتقد أن مهمة الكاتب لا تمتثل في أن يكتب ما يعرفه الناس سلفا. بل عليه أن يرى ما لا يراه الآخرون. بل يشير إلى ما هو متوقع بطريقة غير متوقعة.

هل يستطيع الكاتب أن ينفذ إلى أعماق مجتمعات أخرى غير المجتمعات التي يعرفها؟

وما المانع؟ فالكاتب ليس محكوما بأن يظل محليًّا. إذ تظل مضامين حكاياته متوقعة. ما المانع من أن نكسر قليلا حاجز التوقعات ونتجاوزه إلى عوالم مجهولة بالنسبة إلينا؟ المتعة كل المتعة أن تسبر ما لا تعرفه. هكذا بالضبط أرى الكتابة. وأحاول في كل كتابة أن أمضي فيه وإليه.

كيف توفقين بين الشعر والرواية والمقالة؟

هجرت كتابة الشعر منذ وجدتني في السرد. رغم أن أشعاري التي كنت أنشرها في بعض الصحف والمواقع في ذلك الوقت لفتت أنظار بعض القراء والمترجمين، حتى أن بعضها ترجم للغات مختلفة وطبعت في أنطولوجيات تضم أسماء شعراء عرب من دول عديدة. رغم ذلك تركت عالم الشعر إلى غواية القصص والرواية.

أما كتابة المقالات، فأراها كما رآها الكاتب الإيطالي إيتالو كالفينو الذي لم ينقطع يوما عن كتابة المقالات لتدريب لياقته الأدبية في الكتابة.

هل يمكن الجمع بين كتابة القصة القصيرة وبين الرواية؟

الآداب عموما هي مجموعة رؤى وأفكار وتجارب. من الطبيعي أن تتلاقى لتتشكل مع الوقت على الهيئة التي تلائمها. نصا قصصيا أو فصل في رواية. نصا شعريا أو حتى مسرحية.

أحيانا في أثناء لهاثك الطويل في مطاردة شخصيات روائية تأخذ استراحة لكتابة نص قصصي مختزل. وهذا لا يعني أن كتابة قصة أقل مشقة من كتابة رواية. لكنه المزاج الكتابي الذي يخرجك من حالة إبداعية إلى حالة إبداعية أخرى. في القصة تركز على جزء من البحر بينما في الرواية فأنت تلمّ بالبحر كله.

الكتابة عموما عملية مرهقة وشاقة. والكتابة التي ترضيك ككاتب تبدو مهمة مستحيلة.

أليست الكتابة عن العلاقة بين هنري ميللر وأناييس نن صعبة لأنها نوع من السيرة الذاتية المعقدة؟

لهذا الكتاب تحديدًا حكاية طويلة وحزينة. كتبته عام 2010 وقدمته للطباعة في عام 2014. كان عاما صعبا وشديد القسوة علي، في هذا العام من شهر أكتوبر غادرنا أبي رحمه الله إلى العالم الآخر. شعرت بخواء كبير جراء تركه لنا هكذا بلا مقدمات. لكن من منا يستطيع محاكمة الموت؟!

لم أجد وسيلة للتغلب على حزني سوى الكتابة. في تلك الفترة كنت قرأت بعض رسائل أدبية مفعمة بالحب بين هنري ميللر وأناييس نن. غمرت مغامرتهما اهتمامي. لا أدري كيف أحببت تخيل ما جرى بينهما بعد أن نفدت الرسائل الحقيقية التي وصفت طبيعة علاقتهما؟ لا أدري كيف صرت أجلس كل يوم ولعدة ساعات وأنا ألاحق هذه العلاقة بين كاتبين ومثقفين استثنائيين؟

لم ينته عام حتى أكلمت ما يربو عن مائتي صفحة. بعد مضي العام الثقيل شعرت بالخفة. الكتابة غمرتني بلطفها وعنايتها. أنقذتني من الوقوع في فخاخ الحزن والكآبة. كان علاجا نافذا ومريحا للغاية.

الكتاب نفسه كان مفاجأة للقراء، وصفه بعض النقاد باللعبة وأثنوا على أصالة الفكرة. بينما كثيرين اعتقدوا أنه مترجم وأنني قمت بترجمة رسائل حقيقية بين الكاتبين. وإلى اليوم من يعتقد ذلك رغم أني أوضحت مرارًا أن الرسائل متخيلة ومفترضة من اختراعي الشخصي. وبعد هذه السنوات ما يزال يحظى بفضول قراء ومجموعات قرائية وهذا يسعدني.

لاحظت أن كتبك موزعة بين ناشرين مختلفين بين مصر وسوريا وإيطاليا وعُمان والكويت وغيرها. ألا يمكن للكاتب أن ينشر في دار واحدة لأن هذا التوزع من شأنه أن يشتت الكاتب والقارئ معًا؟

اتفق معك بشأن ما ذهبت إليه، لكن أحيانا الظروف تملي على الكاتب ما ليس بيده. وهناك أيضا دور تدفع للكاتب حقوقه وأخرى لا تفعل ذلك.

ما هو رأيك بالجوائز الأدبية وأنت توجت بجائزتين عن أفضل مقالات في (هواجس غرفة العالم) وأفضل مجموعة قصصية في (كائناتي السردية)؟

الجوائز قبل عدة سنوات كانت بمثابة تربيت لطيف على جهود كاتب ما. لكنها في السنوات الأخيرة تجاوزت مهمتها تلك وتكاد تصبح لأهميتها في دفع الكاتب نحو آفاق عالية في الشهرة بمثابة مؤسسة ثقافية لا سيما في عالم عربي يضج بجمهور قرائي ونقدي يسعى لاهثا وراء البريق الذي تصنعه الجوائز. ويرى الكاتب الحائز على جائزة نجما ويصبح كل ما يصدر منه مقدسا.

الجوائز نفسها تكاد لا تؤدي التأثير نفسه على قارئ واع يطارد حدسه لاكتشاف ما لا تكتشفه الجوائز، وهذا ‘نصاف وتقدير يسعى له جميع الكتاب؛ لا سيما ذلك الكاتب الذي لم يحالفه الحظ أو الذي ينأى بنفسه عن ضجيج الجوائز. لا تصنع الجوائز كاتبًا بالضرورة، ولكن يحدث أن يصنع القراء كاتبًا.

ما هو العمل الذي تشتغلين عليه حاليًا؟

لا أميل عادة للتحدث عن مشاريع غير مكتملة. لكن هناك مخطوطة جاهزة لمجموعة قصصية عسى أن تجد حظها في النشر نهاية هذا العام.