حُلم ودولة

بقلم / عبدالحميد الكمالي

منذ اعوام ليست ببعيدة كان الشباب يرسم ألواناً لحياتهم تبدأ بتخرجهم من الثانوية العامة بمعدل مريح ثم الدراسة الجامعية ثم وظيفة حكومية  مستقرة ومنزل وتكوين أسرة، لكننا كنا نجهل حينها معنى السلام والحرب والمباحثات والهدنة والمبعوث الأممي للكئيب، وحصار وقذائف وغارات جوية وشهداء مبنى سكني وسقوط جبهات وعمليات عسكرية وأزمة اقتصادية وأوبئة ونقاط تفتيش وميلشيا مسلحة واغتيالات وعمليات نوعية والتعبئة العامة وانفجار لغم وطوابير الماء الممتدة، وتحولت كل تلك المصطلحات لتكون حاضرة في تفاصيل يومياتنا ورحيل كل تلك الأمنيات البسيطة، عرفنا قيمة السلام الحقيقة، عرفنا قيمة أن يكون لك دولة وهوية واحدة وعيد وطني تحتفل به البلاد لمرة واحدة، وأن تأتي المناسبات الوطنية والإسلامية ونتشاركها سوية من اقصى البلد لأقصاها، سقطت من مخيلاتنا كل الأحلام ولم تعد صلواتنا تصدح سوى بدعاء السلام الذي يعيش في خُلد  كل مواطن يمني، فلا منأى لنا سوى طريقه.

نحن كشباب لم يعد يهمنا من يحكم من يتقلد مناصب عليا وصغرى، لا نهتم بمقدار الارض التي سنصلحها بعد الحرب، فالصراع الحاصل شمالاً مؤلم والصراع جنوباً مؤلم والصراع الحزبي مؤلم ونزيف الأرواح مؤلم وتحطيم مستقبل الشباب مؤلم ومشاهد القتلى والايتام والجرحى والأجزاء المبتورة من الجسد والتوابيت والجنائز مؤلم.

إننا نهتم بالطرق التي ستمضي بالبلد نحو السلام وإيقاف الحرب ونزيف الدم المهدور بين الإخوة، لأننا انزلقنا إلى مستنقع خطير تسعى فيه المليشيات لتحويل الدولة إلى دويلات صغيرة حسب انتمائها المناطقي والطائفي وانتهاك سياسة بلد يعرف التاريخ جيداً تفاصيله ومكانته.

دولة كاليمن بحضورها وتاريخها هي القادرة على إرساء القوانين والوقوف ضد كل المشاريع الصغيرة الضيقة تحت دائرة انتماء حزبي وطائفي، والدولة الحقيقة هي التي ستعيد لنا أحلامنا وحقوقنا  لنحلم.. نحتاج فقط لتلك الدولة أن تستيقظ فينا فتظهر للعلن وتضم كل ابنائها المتخاصمين.

نحتاج لإيقاف الحرب حوار بين يمنيين لا دخل لأي طرف بذلك وحوار يقام داخل الاراضي السيادية لليمن، لاستعادة البلد واستعادة احلامنا المفقودة منذ أول رصاصة وأول غارة وأول قذيفة، استعادة أبجديات الحلم تبدأ بتحقيق حلمنا جميعا، وهو وجود دولة.