الإخوان والحوثي وفوبيا القوات المسلحة الوطنية

التهريج في السياسة تحليلاً واستشرافاً للمآلات بنظرة الجماعات الإرهابية هي نوع من الإغفال المتعمد للحقيقة ومسارها، واستنباط الدوافع بتعليق الجرائم الإرهابية على عنق الضحية المصلوب في خشبة هذه الجماعات المتطرفة هو نوع من إلباس المجرم ثوب الضحية وكأن لا أحد يستطيع التمييز بين الضحية والقاتل.

تفجيرات عدن الأخيرة مرحلة تطور

ما حدث في عدن من جريمتين إرهابيتين تزامنتا في توقيت وقوعهما ووحدة الإعلان عنهما وتبنيهما من جماعتين إرهابيتين: جماعة الحوثي الإرهابية في صنعاء، وجماعة تنظيم القاعدة في الجنوب، على الرغم من اختلاف الفكر أو القاعدة الدينية التي تبنيان عليها أسسها الإرهابية إلا أنهما متفقتان على استهداف الضحية ونوعيتها ومكانها وزمانها.

ليس غريباً أن تتوحد الجماعات الإرهابية في تنفيذ مخططاتها على رغم اختلافها، وقد رأينا متانة الوحدة الإرهابية بين جماعة الحوثي وجماعة حزب الإصلاح، الجناح التنظيمي للإخوان المسلمين في اليمن، والتي تستوعب تنظيم القاعدة تحت لحافها وأحد أذرعها المختلفة والمتعددة.

تعاضد يد الإرهاب الحوثي الإخواني

التماسك بين الجماعتين وصل ذروته في أعوام ما بعد 2011م، عندما بدأت الدولة بالترهل والتخلخل.عندما كانت جماعة الحوثي الإرهابية تتوغل في مناطق الشمال وتسقط القرى والمديريات تباعاً كان الإخوان المسلمون بذراعه تنظيم القاعدة يطعن الدولة في خاصرتها ويعيق وقوفها في احتواء جماعة الحوثي في مناطق معينة وذلك بالقيام بعمليات إرهابية انتحارية تستهدف قوات الجيش والأمن في مناطق مختلفة من اليمن.

التفجيرات الانتحارية في شبوة واستهداف مقومات الاقتصاد الوطني، بينما كان الحوثي في الشمال يستهدف معسكرات الدولة ويغتنم أسلحتها ويزحف نحو العاصمة.. تلتها تفجيرات حضرموت وذبح الجنود، وعمليات إرهابية في عدن وأبين والبيضاء، واغتيالات بالجملة، بينما كان الحوثي ينفذ نفس المخطط في مناطق الشمال وبصورة مختلفة نسبياً عما يصنعه تنظيم الإخوان في الجنوب، بعد أن تقاسم الحوثي والإخوان اليمن كمناطق نفوذ للإرهاب.

الحوثي يرهب الشمال، وجماعة الإخوان ترهب الجنوب، حتى تم الوصول إلى العاصمة صنعاء، وبدأت مرحلة جديدة من التعاون والاتفاق على تنفيذ عمليات إرهابية بشكل يوحي للرأي العام أن الحوثي والإخوان ضحية.

بعد أن استولى الإخوان المسلمون على مقاليد الحكم والسلطة في صنعاء أصبحت الدولة معرضة للهجمات الإرهابية أكثر نتيجة التسهيلات التي تقدمها هذه الجماعة لمنفذي الهجمات الإرهابية من دعم معلوماتي والتخفيف من إجراءات التنقل والمتابعة الأمنية، بالإضافة إلى ما تقدمه من دعم مادي لجماعة الحوثي الإرهابية.

الصورة الذهنية الزائفة وقرارات الرئاسة

أبرز ملامح التعاون بين هاتين الجماعتين كان في تنفيذ جريمة السبعين بحق جنود الأمن المركزي، عندما أصرت الرئاسة اليمنية بقيادة هادي أن تقيم العرض العسكري في ميدان السبعين على الرغم من التحذيرات التي أرسلتها قيادات أمنية واستخباراتية بخطورة ذلك، إلا أن الإصرار كان واضحاً في تنفيذ الجريمة في الميدان ولتحقيق أهداف عديدة منها:

– إقالة قيادات أمنية كبيرة كانت محسوبة على حزب المؤتمر الشعبي العام واستبدالها بقيادات إخوانية.-تحطيم الصورة الذهنية والفعلية المرسومة في أذهان المجتمع بقدرة القوات الأمنية على حماية المجتمع، وجعلها صورة تستجيب للتشكيك وزعزعة الثقة تجاه قوات الأمن، وهذا ما يجعل الصوت الذي كان ينادي به الحوثي على قدرته بحماية أمن الناس والدولة هو الصوت الأقوى الأجدر بثقة المجتمع.والجريمة الأخرى الأشد إيلاماً كانت مجزرة العرضي، مقر وزارة الدفاع، التي تعتبر الحصن المنيع والقوي والجدار الأكثر تماسكاً للدولة، ومجزرة الطلاب الجامعيين من منتسبي وزارة الداخلية عند بوابة كلية الشرطة، هذه الجرائم والتفجيرات والاغتيالات لضباط القوات المسلحة وفكفكة القوات الجوية وتساقط الطائرات الحربية كانت عوامل صنعتها جماعة الإخوان لتحقيق وتهيئة قدوم جماعة الحوثي الإرهابية، وصناعة صورة ذهنية في العقل المجتمعي بقدرتها على تحقيق الأمن في صنعاء وبقية المحافظات على غرار الأمن في صعدة.

كل شيء ينتمي للقوات المسلحة والأمن كان عرضة للهجوم الإخواني بالفكفكة والاستيلاء الحوثي على السلاح والمعسكرات، والوسيلة إلى ذلك بالاغتيالات والتفجيرات والقرارات الرئاسية.

فوبيا القوات النظامية الوطنية

الجماعات الدينية، وخاصة جماعة الحوثي والإخوان، لديها حالة فوبيا من وجود قوات مسلحة نظامية وطنية، لذلك لا تسعى الشرعية اليمنية لبناء جيش نظامي حقيقي، وكذلك جماعة الحوثي الطائفية التي تجند مسمى اللجان الشعبية.كل جماعة تريد انتحاريين مؤدلجين بفكرها لتحميه وتحميها، لا تريد جيشاً نظامياً يحمي الدولة والمجتمع، لذلك قاموا بهيكلة القوات المسلحة والأمن واستهدافها وتشتيت معسكراتها والإمعان في تفتيت الترابط العسكري بحجج واهية سخيفة.ما حدث في عدن من هجوم على عرض عسكري لقوات تتبع المجلس الانتقالي الجنوبي كوحدة نظامية لم يكن نتيجة الصدفة المحضة، ولا التخطيط القوي الذي يدعيه الحوثي، وإنما كان نتيجة التعاون المستمر بين الإخوان والحوثي لاستهداف أي قوات نظامية.

وقبل هجوم عدن الأخير، رأينا هجوماً سابقاً على قاعدة العند واستشهاد العديد من ضباط القوات المسلحة.كم هي العروضات العسكرية التي شاهدناها لجماعة الحوثي في صنعاء والحديدة وذمار على مرأى ومسمع من عيون التحالف والشرعية، وكانت تمر بسلام، ولم نشاهد أي استهداف لها ولو بقصف يبعد عنها عشرات الكيلوهات.

الجماعات الإرهابية التي تمتلك هدفاً واحداً لا تقاتل بعضها، بل تقام بينها علاقة تعاونية علانية أو سرية، لكن الواقع والظروف هي التي تكشف نوعية هذه العلاقة ومدى متانتها وإلى أي مدى ستستمر.والعلاقة بين هاتين الجماعتين علاقة قديمة، وسوف تستمر إذا استمرت الأيادي التي تمول هذه الجماعات بدعاوى محاربة الأخرى، وبما أن جماعة الإخوان مستمرة بالسيطرة على قرارات الشرعية والأموال التي تعطى لها، فإن الحوثي سيستمر في البقاء، وسوف يصل إلى الرياض وما بعد الرياض بصواريخه وأتباعه، وإلى أبوظبي ودبي، ولن يقف عند حدود دولة معينة، لأنه يملك نهجاً توسعياً مدعوماً من إيران وقطر.

اترك تعليقاً