الدولة التي ننشد

بقلم / محفوظ الشامي

سيظل الحديث عن ضرورة وجود دولة مدنية قائمًا إلى أن تتحقق، فلا يمكننا أن نضمن وجود الحقوق والحريات التي ينبغي أن يتمتع بها الفرد وكذلك المجتمع ما لم نصل إلى تلك الغاية المنشودة، الدولة المدنية، دولة النظام والقانون. نحن نعلم أن الوصول إلى هدف عظيم وقيمة وجودية سامية كالدولة بمعناها الحقيقي الفاضل والخدمي وباعتبارها الإبتكار المشرف الذي أوجده الإنسان على مر عصور تجاربه الحياتية ابتداء من العصور الحجرية إلى عصرنا الحالي أمرًا غير بسيط ويحتاج الكثير من الجدية والعناء والتضحيات.

تبايناتنا الاجتماعية، كالطبقية والعنصرية المتفشية والإقطاعية القبلية والمحسوبية التي يستغلها الكثير من المتنفذين إما بحجة الدين أو بانتهاج سياسة الإقصاء للمختلف بتبريرات خارج إطار هدف السياسية كعمل خلاق يجب أن يمدن المجتمع لا يفخخه بالتفرقة والتسلق على ظهور الجماهير لتغليب المصالح الخاصة على المصالح العامة لا يمكن أن نذيبها ونمحيها إلا بعد أن نرضخ ونقبل بدولة القانون التي تساوي الجميع في الحقوق والحريات، فالارستقراطية التي كسبها أفرادًا ورموزًا اجتماعية وقبلية ودينية معينة ستعمل الدولة الحقة على طمسها واستبدال مثل هذه الخرافات التي عفى عنها الزمن بحقوق واسعة تشمل الجميع ودولة تنظر إلى الكل بعين واحدة. يجب أن يتم توعية الجماهير وتنوير الرأي العام بضرورة المطالبة بعودة الدولة الممزقة أولًا ثم الحديث عن تمدينها وإلقاء الوصاية الدينية والقبلية خارج سياقها، هذا إن أردنا النجاح بحق.

حين يغيب مشروع الدولة فإن البدائل المتاحة على الساحة ستكون الميليشيات بأطيافها، دينية، قبلية، رجعية، وحزبية كذلك، فبدلًا من أن تسهم الأحزاب وتعددها في خلق مجتمع مدني شامل لوحظ في فترة الصراع الأخيرة في اليمن أن ثمة أحزابًا تبنت خطابًا دينيًا متطرفًا واتخذت السلاح وسيلة لخوض نضالات تحسب أنها وطنية. مما يجدر بنا أن نكرر المناشدات باعتناق الدولة المدنية التي تختفي مع وجودها كل المشاريع الهدامة ليبقى التنافس من كل الأحزاب في سبيل الوطن والإنسان.

تغييب الحقوق ومصادرة مستحقات المواطن حدث غير غريب في ظل اللا دولة، أو لنقل دولة الشيخ فلان أو خلافة الوالي علان. لا يحق لنا بتقديري حتى أن نستغرب من هذه الفوضى التي نعيشها لأننا ندرك بكل بساطة أننا نعيش خارج سياق العالم، فلا دولة لنا ننعم في كنفها ولا قانون يمكنه ردع المخالف وضبطه. هي غابة رعناء يسكنها الوحوش ولا شفقة للضعفاء بها، تلك هي اليمن. هل يعقل أن ثمة بلد أو دولة ما على وجه الأرض قطعت بها رواتب الموظفين لما يزيد عن ثلاثة أعوام، فلا شرعية بادرت لتعطي ولا سلطة أمر واقع فعلت. أرأيتم كيف أن نضالنا للمطالبة بعودة الدولة مشروع وواجب على الجميع.

أستغرب من الحقوقين والناشطين في الشأن الإنساني حين يعبرون عن أسفهم الشديد وقلقهم إزاء ما يحصل من مصادرة للحريات وكبت للآراء وتكتيم للأفواه وإخماد للأقلام الصحفية في الوقت الذي يعلمون به أن ما يجري طبيعي ومتوقع في ظل غياب مشروع دولة حقيقة تحمي الحريات وتصون سلامة الآخر المختلف ولا تتعارض مع الرأي المعاكس، فبدل من أن يوعوا الشعب والجماهير بخطورة غياب الدولة التي تأتت بعد تلاشيها مثل هذه الممارسات في قمع الحريات نجدهم يكتفون بخط الإدانات والتهام المزيد من المال على حساب قضايا الإنسان. لن ينجو هؤلاء من لعنات الأجيال القادمة.

ماذا جنته أطراف الصراع غير تعطيل مؤسسات الدولة تعطيلًا كاملًا وشل حركة كل شيء متعلق بها من قريب أو من بعيد. فقد ملشنوا البلاد وحولوا مؤسسات الدولة إلى أوكار يخطط بها كل طرف للسيطرة على البلاد ونهب خيراتها دون مراعاة للشعب الذي يمثل الركن الثاني من أركان الدولة.

 (نقلا عن منظمة نسيج الإعلامية)