لا خرافات في زمن الوعي

بقلم / أمين الشامي
كانت الديمقراطية قد توسعت وأخذت أبعادًا عدة فيما مضى من الحكم خلال العقود المنصرمة في اليمن رغم حديث البعض على أنها كانت غير حقيقة إلا أن ملامحها كانت جلية وذلك بوجود أحزاب كثيرة مارست كل أساليب المعارضة للحزب الحاكم وكان يترشح الحزب الحاكم آنذاك عدة مرات ووصوله إلى السلطة كان عبر الاقتراع وبالطرق السلمية السلسة عبر الانتخابات. وهذا هو التجسيد الأمثل للعمل الديمقراطي الحقيقي.
صحيح لم تكن دولتنا دولة مدنية وكان طابعها عسكريًا لكنها كانت دولة مؤسسات وتحترم حريات الآخرين وتدفع حقوقهم وتمنح المواطن تقديرًا ولا تهينه على أقل تقدير، أما اليوم حين غابت كليًا ملامحها وأصبحت أطراف الصراع هي من تتشاطرها فقد اختفت كل علاقات المواطن بالدولة والدولة بالمواطن، لا حقوق ولا حريات ولا أمن ولا سلام وفوق هذا كله يُعرض المواطن لكل ما هو تعسفي وسيء ناهيك ان مصادرة مستحقاته وأكل كل ثروات البلاد دون تعبيره أو منحه شيئًا.
في الوقت الذي وعى به الآخرين وشعروا بمسؤولية كبيرة تجاه أوطانهم تزداد أحقادنا لتدمير بلادنا بانتهاج خرافات لا يقبلها العقل والمنطق والحاضر الذي يفرض أدواته في الحكم والدولة. فالترويج لأحقية الحكم بالزعم الإلهي لفئة ما هو إلا ضرب من الجنون والهوس وكذلك اعتقاد بعض الأحزاب الدينية المتطرفة بأن الخلافة ينبغي أن تكون لها كونها الحارس والحامي لدين الله هو الجنون ذاته.
كم هي المفارقة بيننا وبين الأشقاء في تونس، هم يقيموا مناظرات بين مرشحي الرئاسة ونحن نعيش صراعات ما قبل ألف عام ويزيد ونتجادل عن أمور غير مرتبطة بنظام دولة حقيقة، فقط مجرد موروث عفى عنه الزمن واستدعاء لأحقاد واعتقادات تمزق أكثر مما تلم الشمل. إننا لم نعتبر من أحداث الماضي ونتحاشى مآسيها بل نسترجعها ونعيد آثامها اليوم.
لن يمر الخطاب الإعلامي الذي يروج لخرافات الحكم التقليدية أو الموروثة بفعل السلالة أو الوصاية الإلهية المزعومة ولن يضلل الرأي العام لما تقتضيه مصلحته ببناء دولة ديمقراطية مدنية. فمحاولة خداع الناس بهذه الطريقة أمرًا لم يعد نافعًا ذلك أن الوعي في أوساط الشعب كل يوم في ازدياد ولا خيار لدينا سوى دولة مدنية ديمقراطية.