صفقة القرن من باب المندب الى أبواب مسجد الأقصى الشريف

المهندس/ حسين بن سعد العبيدي

عندما أعلنت كونداليزا رايز من داخل دولة الكيان الصهيوني في أثناء حرب تموز 2006 على لبنان، وكانت يومها وزيرة الخارجية الأمريكية أفصحت عن نوايا آمريكية لتقسيم المنطقة العربية بعد إعلانها ملامح ولادة شرق أوسط جديد، ولكن أنتصار لبنان في تلك المواجهة كان مجرد المسمار الأول في مشروع الشرق الأوسط الكبير والذي تعتبر صفقة القرن أحدى المؤامرات المحيوكة ضد الأمة العربية والأسلامية.

وبعد حرب تموز مباشرة بدأت الإدارة الأمريكية تداوي جراح الكيان الصهيوني، بتقديم الوعود بتمرير صفقة القرن، بتمويل هذه المرة من دول الخليج العربي التي أعتبرت دولة الكيان الصهيوني أكثر قربآ لها من الهلال الشيعي الخطير الممتد بين لبنان والعراق وسوريا واليمن ومجاميع الشيعة داخل البحرين والمملكة العربية السعودية.

وكان آحدى مشاريع صفقة القرن التي بدأت في اليمن هو مشروع الجسر الأستراتيجي بين آسيا وأفريقيا، الذي يمتد عبر باب المندب اليمني، والذي قدرت تكاليفة بحدود مائتي مليار دولار امريكي، على اساس بناء مدينتين عالميتين نموذجتين بين يابسة باب المندب في اليمن، ويابسة باب المندب في القرن الأفريقي، وتوطين مليوني شخص في كل مدينة. وأستكمال مشاريع الأستثمار لهذه المدن بما يؤهلها بتفاصيل المرافق الأسكانية والترفيهية والعلمية، والاشراف اللوجستي على باب المندب من قبل ممولي ومنفذي المشروع الذي كان الأوروبيون وأثرياء الخليج العربي وأفريقيا في واجهة ممولي ومنفذي هذا المشروع.

وكان الرئيس اليمني الراحل على عبدالله صالح هو محور أرتكاز المشروع، بما كانوا يقدموا الوعود والأمتيازات التي ستحصل عليها دولة اليمن من خلال أعطاء مساحة الأرض المطلوبة وهو الجزء اليابس والجزر في الأراضي اليمنية، الا ان نظرة الرئيس على عبدالله صالح وتشككة في توجه المشروع وممولية قد أدى مماطلتة لأقرار المشروع حتى أنكشفتالحقيقة المكبوتة وظهر المستثمرون اليهود في العديد من دول العالم على رأس قائمة ممولي ومسوقي هذا المشروع التجسسي الكبير.

وخوفآ من قيادة الرئيس صالح فقد بدأت دول الخليج العربي بموجة الأنسحابات المتتالية المتعاقدة في المشروع، لأنهم يعرفون ان القيادة اليمنية لن تدع لهذا المشروع أن يخرج الى النور، وخاصة اذا اتضح تلك الأكاذيب والتمويهات التي صاحبت التسويق لهذا المشروع. وزاد في أحباط تلك الشخصيات الثرية الغريمة للأمة العربية والأسلامية أن تنفجر الأوضاع في اليمن بعد فشل المبادرة الخليجية في أستكمال انتقال السلطة وزحفت قوى الحوثيين شمالآ على حدود السعودية وجنوبآ نحو مناطق تمركز الشرعية بعد فرارها من العاصمة صنعاء.

وبوصول الحوثيين الى صنعاء تم إجهاض برنامج الأقاليم والتقسيمات الجديدة ووثيقة الحوار الوطني واستكمال تسليم السلطة الأمنه، والذي يعتقد انه آحدى آجندات المخطط لها بدقة من مشروع الشرق الأوسط الكبير، كما أن عملية أغتيال وتصفية الزعيم على عبدالله صالح في 4 ديسمبر 2017 من قبل الحوثيين وأطراف دولية وآقليمية واجهزة استخبارات دولية عقابآ له على عدم المضي في القبول بتنفيذ اجندات صفقة القرن. فاذا كان الرئيس صالح قد غض الطرف أثناء دخول الحوثيين العاصمة صنعاء، لم يكن الا لتعقيد الموقف الأمني الذي تديرة دول الخليج العربي في منطقة البحر الأحمر ومنطقة خليج عدن والسواحل اليمنية ذات الأهمية الأستراتيجية والتي هدفت دول الخليج العربي الى الاستيلاء عليها وعلى جميع المؤاني البحرية في جميع مناطق الشرق الاوسط حيث ان اليمن تمتلك أكثر عدد من أهم مواقع والمؤاني الأستراتيجية في العالم.

وحيث أن ثورات الربيع العربي في دول التوهج القومي بشكل آساسي، والتي كان يفترض أن يؤدي نجاح هذه الثورات الى صعود سلطة الخلافة الأسلامية والتحالف الأسلامي الأمريكي بتأييد قوى الاسلام السياسي المتطرفة مقابل الامتيازات الأقتصادية التي وعدت بها آمريكا من حيث عدم أستخدام النفط كسلاح وأعطاء امريكا واوروبا ماتحتاج من النفط دون مقابل.

ومن جديد يظهر دور الرمز العربي القومي الرئيس على عبدالله صالح الذي اطفاء جذوة الربيع العربي في اليمن، وقام بتنسيم بالون الربيع العربي، الا ان راعي المبادرة الخليجية آصر الا أن يترك الحبل على الغارب في عملية مسار انتقال السلطة في اليمن، حتى جاء الحوثيين بدعم من آيران وسيطروا على العاصمة صنعاء وهرب حزب الأصلاح الى دولتي قطر وتركيا والأردن لأستثمار ما حصلوا علية من المليارات ودعم الحرب الذي لا يزال يتدفق الى خزناتهم الخاصة الى اللحظة، كما فشل الربيع العربي في جمهورية مصر العربية بظهور الرئيس البطل عبدالفتاح السيسي الذي أنقذ مصر من الانزلاق في فوضى سياسية واقتصادية كانت ستعصف بأرض الكنانة واستقرار المنطقة برمتها، كما فشل في السودان ايضآ، حتى أن هناك ربيع آخر ظهر في آمريكا ولبنان.

وكما هو مخطط له في إطار صفقة القرن أن تقوم الدولتين القويتين في الشرق الأوسط وهما آيرآن وتركيا بتأديب الدول العربية والدويلات الخليجية مقابل ضمان السيادة والهيمنة الأقليمية لتلك الدول، الا أن الهدف المبطن كان مجرد أشراك الدولتين القويتين آيران وتركيا في حرب متواصلة مع الشعوب العربية، وبذلك يتم ضرب عصفورين بحجر، الا أن تلك الدولتين كانت بحكم خبرتهم الكبيرة في أن تدخل في صراع أقليمي يضعفها أو يستنفذ قدراتها، فأنسحبت تركيا وآيران من هذا البرنامج مكتفية باستخدام اذرعها المسلحة من قوى الاسلام السياسي المحسوبة عليهما وقررت التدخل بأستخدام الحرب الأقتصادية والنفوذ العسكري والسياسي في سبيل أستنزاف الموارد الطبيعية للدول العربية والاستيلاء على المناطق الجغرافية الهامة في الشرق الأوسط.

كما أن العداء السياسي بين آيران وتركيا ودول الخليج العربي، اعاد الوضع الى وضع الحرب البارده من خلال المؤامرات والمكايدات وأعمال التجسس والأغتيالات بدلآ عن المواجهة العسكرية المباشرة بين الجيوش، ولهذا فلم يتمكن ترامب رئيس مجلس ادارة صفقة القرن من تنفيذ وعودة لدول الخليج، لأنه لم تتوفر لترامب وبريطانيا وفرنسا البيئة المناسبة لتحقيق المواجهة العسكرية الشاملة في منطقة الشرق الأوسط وأشعال فتيل حرب عالمية ثالثة تستفيد من مخرجاتها الدول الغربية والرأسمالية كما حدث بعد الحرب العالمية الأولى والثانية.

كما أن مشروع تكتل دول البريكس الذي تزعمتة روسيا والصين وجنوب افريقيا والهند والبرازيل قد أيقظ الشعوب الى أمكانية التعايش مع الدول الغنية والرأسمالية مقابل إعطاء المميزات الأقتصادية لهذه الدول، ودعم جهود الموارد البشرية بدلآ من مواجهتها بالحرب.

**رئيس مركز مداري للدراسات والأبحاث الأستراتيجية.