أبوها انتحر.. ما لا تعرفه عن ثاني امرأة تترأس حكومة بفرنسا

يوم الاثنين الماضي، عيّن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إليزابيث بورن رئيسة للحكومة خلفاً لجان كاستكس الذي قدم استقالته ظهر اليوم نفسه.

ومنذ أن ظهر اسمها على بيان الرئاسة المقتضب، كتبت الصحافة الفرنسية والأجنبية الكثير عنها مركزة على المناصب الحكومية التي تولتها منذ عام 2017، أي منذ وصول ماكرون إلى قصر الإليزيه، ومتطرقة إلى التحديات التي واجهتها والإصلاحات التي أنجزتها في الوزارات الثلاث التي شغلتها: النقل والبيئة والعمل والشؤون الاجتماعية. فمن هي إليزابيث بورن؟

تتمتع بـ”إحساس” يساري

إلا أن ميل هذه المرأة البالغة 61 عاماً إلى اليسار الاشتراكي كان موضع تحليل وتمحيص وتذكير بأنها عملت إلى جانب رئيس الحكومة الاشتراكي ليونيل جوسبان في عهد الرئيس جاك شيراك الأول، وأنها كانت مديرة مكتب الوزيرة الاشتراكية سيغولين رويال.

لكن الثابت أيضاً أنها لم تنضم أبداً إلى الحزب الاشتراكي وإن كانت تتمتع بـ”إحساس” يساري قد يكون من بين العوامل التي دفعت ماكرون إلى اختيارها. وللتذكير هنا فإن الأخير انتظر 22 يوماً عقب انتخابه ليعلن اسم رئيسة الحكومة العتيدة.

وحسب المعلومات المتداولة في الصالونات السياسية، فإن ماكرون كان يميل إلى تعيين كاترين فوترين، المرأة السياسية اليمينية التي شغلت منصباً وزارياً في عهد شيراك لتصبح لاحقاً ناطقة باسم المرشح نيكولا ساركوزي، وهي تشغل حالياً منصب رئيسة منطقة “ريمس الكبرى” الواقعة شرق فرنسا، وفق ما نقلت صحيفة “الشرق الأوسط”.

غير أن المحيط المباشر للرئيس الفرنسي، خصوصاً ألكسيس كوهلر أمين عام قصر الإليزيه، عدل رأيه!.

إليزابيث بورن (أرشيفية من رويترز)

إليزابيث بورن (أرشيفية من رويترز)

دراما بورن الشخصية

لكن العديد من الناس، يجهلون الدراما الشخصية التي عاشتها رئيسة الحكومة الجديدة، إذ إنها ترفض بشكل منهجي عرض حياتها الخاصة على الملأ. .

فإليزابيث ابنة عائلة “مركّبة”، أمها من منطقة النورماندي بينما والدها جوزيف بورنشتاين، ينتمي إلى عائلة يهودية روسية الأصل فرّت من روسيا عام 1939 بسبب صعود الشعور المعادي للسامية، فحطت رحالها في بلجيكا أولاً ثم في فرنسا.

وسريعاً، انتمى والدها إلى مقاومة الداخل الفرنسية في مواجهة النازيين الذين احتلوا البلاد. إلا أنه قبض عليه وعلى والده زليغ وأخيه إسحاق في عام 1943 ونقلوا إلى المعتقلات النازية حيث توفي الأخيران.

لكنه عاد سالماً من المعتقل. وفي عام 1950 حصل على الجنسية الفرنسية وعمل مع زوجته في حقل الصيدلة. غير أن الشركة التي أسساها واجهت صعوبات مالية كبيرة، ما دفع الوالد إلى الانتحار عام 1972 عندما كانت ابنته إليزابيث لا تزال طفلة.

إليزابيث بورن (أرشيفية من أسوشييتد برس)

إليزابيث بورن (أرشيفية من أسوشييتد برس)

غير اسم عائلته

مع نهاية الحرب، عمد جوزيف بورنشتاين إلى تغيير اسم عائلته فتخلى عن “بورنشتاين” الذي يدل على الأصل اليهودي مكتفياً بـ”بورن”، وهو الاسم الحركي الذي اتخذه في المقاومة.

ومن المرات النادرة التي تحدثت فيها عن حياتها الشخصية كانت في برنامج تلفزيوني، على القناة “سي 8″، حيث قالت: “لم تكن الحياة سهلة بالنسبة إلينا، إذ إنني خسرت والدي وأنا صغيرة السن ووجدنا أنفسنا، أنا وأختي نعيش مع والدتنا التي لم تكن تتحصل على موارد مالية كثيرة”.

خريجة “البوليتكنيك”

غير أن وضعها المعترف به كـ”ابنة مقاوم” مكّنها لاحقا من متابعة الدراسة في أرقى المعاهد الفرنسية، معهد البوليتكنيك، بفضل استقلاليتها المالية التي وفرتها لها الدولة.

وفي عام 1981، تخرجت في معهد البوليتكنيك، الذي تدخله نخبة الطلاب حاملة شهادة مهندس للجسور والمياه والغابات.

بالتوازي، حصلت على ماجستير في إدارة الأعمال، وبسرعة، اقتربت من كواليس الإدارة والسلطة.

إذ عملت لوزارة التجهيزات، ثم لاحقاً، في الإدارة الإقليمية في منطقة إيل دو فرانس (باريس وضواحيها القريبة والبعيدة). كذلك اقتربت أكثر من الجهاز الحكومي في عام 1990 عندما عينت مستشارة لوزير التربية.

إليزابيث بورن (أرشيفية من رويترز)

إليزابيث بورن (أرشيفية من رويترز)

مناصب استشارية عدة

كما تنقلت في عدد من المناصب الاستشارية. وعملت لصالح بلدية باريس مع رئيسيها الاشتراكيين المتعاقبين، برتراند دولانويه وآن هيدالغو، مديرة عامة لقسم التجهيزات قبل أن تعين مديرة (محافظة) لمنطقة بواتو – شارنت الواقعة جنوب غربي فرنسا. وهناك ارتبطت بعلاقة وثيقة مع سيغولين رويال، رئيستها التي عينتها مديرة لمكتبها بعدما تولت وزارة الانتقال البيئوي (2014 – 2015)، إبان عهد الرئيس الاشتراكي فرنسوا هولاند.

كذلك تقلبت في العديد من المناصب في القطاعين العام والخاص، وكان آخر منصب شغلته قبل تعيينها وزيرة للعمل في حكومات هولاند المتعاقبة ترؤسها للإدارة العامة للنقل المشترك.

ومع كل موقع جديد، اكتسبت سمعة جدية، إذ نظر إليها على أنها كفوءة في عملها و”تقنية” من الطراز الأول، غير أنها، في غالبية هذه المناصب، كانت بعيدة عن الأضواء!

يذكر أن بورن هي ثاني امرأة تترأس الحكومة الفرنسية بعد 31 سنة على تعيين مماثل قام به الرئيس الأسبق فرنسوا ميتران، الذي بقي في قصر الإليزيه لولايتين بين 1981 و1995.