كي لا نكون أسرى حرب

بقلم / محمد النهاري

كي لا يكون حديثنا عن (السلام) جزافا ومجرد تهيؤات أو هلوسات نورانية نقتبسها من أحلامنا الوردية، لنسأل أنفسنا أولا: لماذا السلام؟ وما هو السلام الذي ننشده أصلا؟ وهل ستمتنع أطراف الحرب عن مواصلة هذا الصراع الأسود لمجرد أن الشعب يريد ذلك؟ أو حتى لمجرد أن الأمم المتحدة نفسها تريد ذلك؟

لنتعاملْ مع موضوع الحرب والسلام في اليمن على أنه الموضوع المصيري الأهم بالنسبة لليمنيين بعد رحلة شاقة ومهلكة وطويلة مع الحرب، ولنقل إنه موضوع معقد وشائك لكن حان وقت العمل عليه بأقصى الطاقات الممكنة واللاممكنة كي نري العالم كله أننا فعلنا شيئا إزاء مأساتنا.

أولا، أهمية الحوار السياسي من أجل إحلال السلام تتجاوز جميع المسائل والخلافات الماضية والحاضرة والمستقبلية، لكونها (الأهمية) هي سر (المسؤولية الاجتماعية) التي لابد أن يتحملها أفراد المجتمع كافة من قبائل وغير قبائل ومشايخ وهاشميين وقضاة، أي أن يحدث التضامن الاجتماعي والتعايش على اختلاف المسميات، و(تطنيش) الخلافات ومسوّغاتها الدخيلة، هذا بالنسبة للمسؤولية الاجتماعية كفكرة أولى لفهم (لماذا السلام؟).. أما الفكرة الثانية فهي (المسؤولية السياسية) التي يتحملها المجتمع والمسؤولون (أو أولئك الذين نصبوا أنفسهم مسؤولين).. أي المجتمع والسلطات على حد سواء عليهم تحمل المسؤولية السياسية؛ من أجل تهيئة الأرضية المناسبة التي عليها تتأسس أركان الدولة السياسية العادلة المتوافق عليها من قبل الجميع، والتي ستؤسس إحساسا جمعيا لدى الشعب بمعنى (عودة الدولة) وبالتالي عودة السلم السياسي والتعافي الاقتصادي والاجتماعي والإنساني والفكري.

ما هو السلام الذي ننشده؟ هو أولا ببساطة السلام الذي يعني إيقاف الحرب. تتبعه (آليات السلام) الضامنة باستمرار السلام: السلام السياسي/الاجتماعي/الاقتصادي/الإنساني/العقائدي/الفكري، وغيرها من آليات السلام الشامل.

هل ستمتنع أطراف الحرب عن مواصلة هذا الصراع الأسود لمجرد أن الشعب يريد ذلك؟ أو حتى لمجرد أن الأمم المتحدة نفسها تريد ذلك؟

الرد على هذا السؤال قد يختلف من شخص لآخر .. من مواطن لآخر .. من كاتب لآخر .. من سياسي لآخر .. الخ. لكنني أكتب هذا المقال كرأي شخصي لا دخل له بالرأي العام ولا غيره، فقط هو رأي ناتج عن تجربة الحرب التي عشناها جميعا بكل مرارتها.

لا، لن تمتنع أطراف الحرب عن الحرب لمجرد أن العالم يرفضها، فهي الغريزة السياسية للحصول على السلطة والحفاظ على السيطرة وجَني ثمرات السلطة وأرباحها ومكاسبها.

لكن الحرب التي فرضت نفسها هي التي ستتوقف بذاتها، نتيجة التطور الطبيعي للأحداث والوصول إلى الطريق المسدود في اللعبة السياسية القذرة التي تُلعب في نفق مظلم، ومن ثم يكون العجز عن التصرف مهما بلغت حنكة ودهاء وهيلمان هذا الطرف أو ذاك. صراع العروش ينتهي طال الزمن أو قصر .. وفي حسابات اليمنيين فقد طالت الحرب أكثر مما ينبغي (٤ سنوات ونصف) ناهيك عن الأوضاع السياسية الصعبة التي عشناها قبل الحرب منذ العام ٢٠١١ وحتى اندلاع الحرب.

بعد كل هذا تبقى أمام اليمنيين الخيار الوحيد والأول والأخير والأهم وهو خيار السلام القائم على ردم كل الخلافات والاحتكاكات والصراعات والمشكلات صغيرةً كانت أم كبيرة، في وطن كل ما فيه تعرَّض للاغتيال وكل من فيه صار يشعر أنه أسير حرب حتى وهو آمن في منزله.

اترك تعليقاً