إذا كثر الطباخين فسدت المرقة

بقلم / عبير محسن

من هنا .. من أرض العجائب أحدثكم، عن شعب غني للغاية، مترف بالتعب ومتخم بالجوع وفائضاً بالغُبن وغني بحكوماته أيضاً، نعم حكوماته!

فنحن الشعب الوحيد الذي يملك حكومتان بكامل أجهزتها السلطوية لتطبق المثل القائل”إذا كثر الطباخين فسدت المرقة ” بحذافيره .. نشهد قرارات “على ورق” بشكل يومي “بالهبل” وتتنافس الحكومتان في التوصيات التي تنظم حياة الفرد! لكن الجملة الضائعة في قاموسهم فعلياً هي هذه الجملة تحديداً “حياة الفرد” هذه الحياة الضائعة بين شرعية هذا وانقلاب ذاك، المنهوبة بين طمع هذا وجشع ذاك، الموؤدة بين شر هذا وخبث ذاك، هكذا بالضبط يتنافسون بالعنجهية والقمع الدكتاتوري المهين .. يتنافسون كي يسلبون مئات البشر أرواحهم في جبهات القتال الباطلة أو كمداً ،ظلماً وقهراً من واقع ما يعايشون!

ويتركون الباقي منهم ليمعنوا في تعذيبهم مع كل نفس يتنفسونه، يحاربوهم في أبسط الحقوق، يتبارون من يستطيع أكثر حرمان الشعب من التعليم والخدمة الصحية، التفكير والتعبير بحرية بل أن المأكل والمشرب أصبح بفضلهم لمن استطاع إليه سبيلاً، هذا إن تحدثنا عن مجموعة الناس المحسوبة على قيد الحياة فإن آلاف المدنيين اليمنيين يموتون منذ اندلاع الحرب وحتى نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قُتل 6,872 مدنيا وجُرح 10,768 شخصا بحسب تقرير أخير أعدته الهيومن رايتس ووتش

نعم الوضع بذاك القدر من السوء فقد تسبّب النزاع المسلح في اليمن بنزوح آلاف من الناس، ويعاني ملايين من نقص الغذاء والرعاية الطبية وتلقي الحكومتان باللوم على الأخرى دون وضع حل للحد من مآسي الناس المتلاحقة كونهم سلطة مسؤولة عن رعاياها!!

الطرف الآخر دائماً “شماعة” يعلقون عليها فسادهم الذي أصبح واضحًا للجميع

تعتبر الأمم المتحدة أنّ اليمن يشكّل أكبر أزمة إنسانية في العالم، حيث يواجه 14 مليون شخص خطر الموت جوعا، وتكرار تفشّي الأمراض الفتاكة مثل الكوليرا الذي يهجم علينا في جائحة خلف أخرى وهذا لم يكن مصدر قلق للحكومتين الشرعية والانقلابية طالما أن مصالحهم الشخصية لا تتأثر .. وعندما حاولت منظمات المجتمع المدني والدولي المساعدة لتخفيف أعباء الحرب على اليمنيين فقد فرد كلا الجهتين عضلاته للحيلولة دون ذلك

من جانب فرضت قوات التحالف بقيادة السعودية قيود على الواردات من خلال تأخير وتحويل ناقلات الوقود، وإغلاق الموانئ الهامة، ومنع البضائع من الدخول إلى الموانئ التي يسيطر عليها الحوثيون، كما منعت وصول الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية في المستشفيات ولضخ المياه إلى المنازل ما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني الرهيب.

ومن جانب آخر صادرت قوات الحوثيين المواد الغذائية والإمدادات الطبية ومنعتها من الوصول إلى السكان المحتاجين وبعد أن سلكت ألف طريق وعرة للوصول إلى هذه المناطق نُهبت وصارت تُباع في الأسواق بكل بجاحة وإنعدام الضمير!

لم يعد لليمني من همّ سوى أن يمر اليوم بسلام.. أن يُسكت جوع بطنة ولو بكسرة خبز وأن يسلم بطش السلطة التي يعيش مجازا ضمن سيطرتها .. أصبح ينقم كثيراً هذه الحياة وتُستثار نفسه لينتقم من أي أحد كائن من كان وتزداد الفجوة التي خلقت لتمزق النسيج الاجتماعي تزداد إلى الحد الذي قد تكون كلمة واحدة سبباً كافياً لوقوع جريمة جنائية بلمح البصر .. أصبح الناس ممتلئين بخطاب الكراهية والعنف، والتنافر بلغ أوجه، هذا ما يزيد عمر الحرب وما يترك ندوب لا تُشفى حتى وإن انتهت!

(نقلا عن منظمة نسيج الإعلامية)